قال صلى الله عليه وسلم" كلكم راع ٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.." الحديث.
لاأظن أحداً ينطق بلغة الضاد يماري في معرفته لهذا الحديث؛ ذلك أنه استفاض عند كل أحد سماعه، بل قل شرحه..
وليس هذا ماأردت ، لكن الذي أعجب منه هو مدى تطبيقنا له فعلياً ، لكن الواقع مؤلم !!..
إن المتأمل لواقعنا يجد كثيراً من الناس لايطبقون مافي هذا الحديث إلا نزراً يسيرا ، وهذا في ظني من جنوحهم إلى عاطفة " الأنا " المقيته ، وهذا مالاأراه يُدافَع..
الأب مسؤول في بيته، هكذا الأصل ، لكن الواقع في كثير من بيوتاتنا لايؤكد تطبيق هذه المؤولية على أكمل وجه ؛ إن كان أصلاً ثمة وجه!!..
فمن منطلق " الأنا " يجنح دائماً هذا الأب إلى قضاء ماأراد لنفسه من ملذات الحياة بعيداً عن أسرته ، يسافر.. يصادق.. يحب.. يلاقي.. يتمتع بالحياة_ كما يقول _ لكن مع أسرته" أنا مشغول ماني فاضي"!!، فأي مسؤولية هذه؟ وأي أمانة يدعيها؟ وكيف يطالب أمثاله بالبر وهو لم يقدم مايشفع له بهذا الطلب؟ إنه واقع مؤلم!!..
يمسك زيدٌ من الناس بالقلم ، ويظن خطأً أن هذا القلم الذي اشتره بخمسة ريالات كفيل أن يجمع قلوب الناس حوله ، ويبرهن للكل أنه جهبذ الأمة في كتابته ، وماهي إلا بعض الأسطر المكتوبة، حتى يصبح هذا الغارق في بحر " الأنا " واقعاً من حيث لايدري في وحل " ضياع الأمانة "!، فيكتب هذا كتابات لاتمت للحق بصلة ، يقدح هذا ، ويعنف هذا ، ويسيء الظن بهذا ، ويفتي بجواز هذا ، ويقلل من شأن هرمٍ علمي كهذا ، ثم إذا نوقش قامت " الأنا " فاتضحت الرؤية أن هذا الكاتب كان في أعينهم أميناً لكن اتضح لهم بعد ذلك أنه بلا أمانة!!، والواقع مؤلم!!..
معلم يشرح للطلاب ماتعلمه أثناء سيره التعليمي الطويل، الذي يظهر لنا أنه أمين؛ لنرى!!..
كان عمرو يشرح لطلابه ، فجأةً خالفه أحد الطلاب برأي يراه صواباً لأنه سمعه من أبيه أو من أحد أساتذته الأخرين ، فتظهر " الأنا " عند عمرو ، ويحمر وجهه ، وتتغير أساريره ، ثم يطلق الحكم لنفسه أنه على حق ، وأن الأمة لو اجتمعت على أمرٍ ماكان لهم أن يقارعوه في حكمه ، ثم ينطلق بعد الحصة الدراسية لمراجعة ماقال فيجد الطالب على حق ، وهو على خطأ لامرية فيه ، المفترض هنا أن يعتذر للطالب ويوضح الصواب في المسألة ، لكن " الأنا " تقوم بعملها مرةً أخرى ، فلا يعتذر ولا يصحح؛ وصدق أفلاطون في قوله : " من جهل الشيء ولم يسأل عنه ، جمع لنفسه فضيحتين ، الجهل وعدم السؤال" ، وهذا المعلم وقع في الجهل وعدم السؤال نتيجة " الأنا "، فأين الأمانة المزعومة؟!، والواقع مؤلم!!..
أخيراً..
ليس من يطلب الحق لذاته ، كمن يطلب الحق ليعرف به ، فاأول يقبل النقد والتسوية على ماقدم وعمل ، والآخر لايقبل إلا رأيه لأن فكره محاصر في مقولة " لاأريكم إلا ماأرى " ، من هنا كانت الأمانة ضائعة تائهة عند كثير منا..
ومضة..
ليس البلية في أيامنا عجباً..
بل السلامة فيها أعجب العجب..
ليس الجمال بأثوابٍ تزيننا..
إن الجمال جمال العقل والأدب..
ليس اليتيم الذي قد مات والده..
إن اليتيم يتيم العلم والأدب..