بسم الله الرحمن الرحيم
آدم
نبذة:
أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجد له الملائكةوعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة ولكنالشيطان وسوس لهما فأكلا منها فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبل العيش بهاوطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض، وهو رسولالله إلى أبنائه وهو أولالأنبياء.
سيرته:
خلق آدم عليه السلام:
أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفةله في الأرض. فقال الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُالدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
ويوحي قولالملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض , أو إلهام وبصيرة , يكشف لهم عنشيء من فطرة هذا المخلوق , ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفكالدماء . . ثم هم - بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق - يرونالتسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية للوجود . . وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له, ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !
هذهالحيرة والدهشة التي ثارت في نفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائز علىالملائكة، ولا ينقص من أقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم من الله، وعبادتهم له،وتكريمه لهم، لا يزيدون على كونهم عبيدا لله، لا يشتركون معه في علمه، ولا يعرفونحكمته الخافية، ولا يعلمون الغيب . لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى , في بناء هذهالأرض وعمارتها , وفي تنمية الحياة , وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتهاوتعديلها , على يد خليفة الله في أرضه . هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماءأحيانا . عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائر الأمور: (إِنِّيأَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقولللملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ، فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنامن صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراءالخوض فيه . إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .
أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانهوتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنه سيخلق بشرا من طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحهفيجب على الملائكة أن تسجد له، والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجودالعبادة لا يكون إلا لله وحده.
جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من ترابالأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر - ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة - ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفن الطين وانبعثت لهرائحة.. وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟
سجودالملائكة لآدم:
من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأىالملائكة كلهم ساجدين له .. ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة، ولكنه لم يكنمنهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس من الملائكة ? الظاهر أنه لا . لأنه لو كان منالملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . . وسيجيءأنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكة خلق من نور . . ولكنه كان مع الملائكة وكانمأموراً بالسجود .
أما كيف كان السجود ? وأين ? ومتى ? كل ذلك في علمالغيب عند الله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً..
فوبّخ اللهسبحانه وتعالى إبليس: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَاخَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) . فردّ بمنطقيملأه الحسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنطِينٍ) . هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح: (قَالَفَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلمما المقصود بقوله سبحانه (مِنْهَا) فهل هي الجنة ? أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلكجائز . ولا محل للجدل الكثير . فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤعلى أمر الله الكريم .
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) (ص)
هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . واقتضت مشيئة الله للحكمةالمقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب , وأن يمنحه الفرصة التي أراد. فكشف الشيطانعن هدفه الذي ينفق فيه حقده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ويستدرك فيقول: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فليس للشيطان أي سلطانعلى عباد الله المؤمنين .
وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنه يقسم بعزةالله ليغوين جميع الآدميين . لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لا تطوعاً منهولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايتهوكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهم لله . هذا هوطوق النجاة . وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة . فأعلن - سبحانه - إرادته . وحدد المنهج والطريق: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَوَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) .
فهي المعركة إذن بين الشيطانوأبناء آدم , يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضحالمبين . وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألايدعهم جاهلين ولا غافلين . فأرسل إليهم المنذرين
تعليم آدمالأسماء:
ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه اللههذا الكائن البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءكُلَّهَا) . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاصوالأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصورالصعوبة الكبرى , لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات , والمشقةفي التفاهم والتعامل , حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضرهذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . . الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهمعليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلابالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضيرهذا الفرد من الناس . . . إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة ! وإن الحياة ما كانتلتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية , لأنها لا ضرورة لها فيوظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر , وعرض عليهم ما عرض لميعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . . وجهرواأمام هذا العجز بتسبيح ربهم , والاعتراف بعجزهم , والإقرار بحدود علمهم , وهو ماعلمهم . . ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء . ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلىإدراك حكمة العليم الحكيم: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) .
أراد الله تعالى أنيقول للملائكة إنه عَـلِـمَ ما أبدوه من الدهشةحين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علمما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلم والمعرفة.. كما فهموا السر في أنه سيصبحخليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها.. بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذاما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام.. وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكمفيها والسيادة عليها.. ويدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية علىالأرض.
إننجاحالإنسان في معرفة هذينالأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكملللآخر.
سكن آدم وحواء في الجنة:
كان آدم يحس الوحدة.. فخلقالله حواء من أحد منه، فسمّاها آدم حواء. وأسكنهما الجنة. لا نعرف مكان هذه الجنة. فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه. قال بعضهم: إنها جنةالمأوى، وأن مكانها السماء. ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولهاعلى إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان. وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدموحواء. وقال غيرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق إلىالتسليم في أمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي نستخلصها منمكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.
لميعد يحس آدم الوحدة. كان يتحدث مع حواء كثيرا. وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا منكل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهمابالابتعاد عن الشجرة. غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراحيثير في نفسه يوما بعد يوم. راح يوسوس إليه يوما بعد يوم: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىشَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) .
تساءل أدم بينه وبين نفسه. ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ..؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود. ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة. ثم قررا يوما أن يأكلامنها. نسيا أن الله حذرهما من الاقتراب منها. نسيا أن إبليس عدوهما القديم. ومد آدميده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء. وأكل الاثنان من الثمرةالمحرمة.
ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلهامسئولية الأكل من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عماحدث- عليه الصلاة والسلام. وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسببالكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.
لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشفأنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهماكل واحد منهما جسده العاري. وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط منالجنة.
هبوط آدم وحواء إلى الأرض
:[/align][/color]