يبيّن قدماء المؤرخيين بما لا لبس فيه أن السباق التاريخي الشهير بين داحس و الغبراء قد جرى في هضب القليب من بلاد فزارة في ناحية من الشّربّة وان هذا الهضب بعد أن خلت جوانبه من بني ذبيان أصل قبيلة فزارة أصبح في القرن الثالث من الهجرة يمثّل الحد الفاصل بين بني سليم و بني عامر في عالية نجد ، و كان من أمر ذلك السباق المشؤم أن أشعل الحرب المعروفة بـ "حرب داحس و الغبراء" على ما هو مسطر في أخبار العرب
وأشعارهم القديمة.
فإذا كانت أحداث تلك الحرب قد خلّدت ذكر اسماء عدد كبير من الأبطال الذين خاضوا ضمارها ،و ضربوا في ميدانها الفسيح أروع الأمثلة في الشجاعة و الفروسية من كلا الطرفين فإن هضب القليب بما جرى على أرضة هو الآخر لم يكن أقلّ حظّاً في الخلود والشهرة ممن لمعت أسماؤهم في هذه الحرب ، حتى أن بعض العلماء كان يحدد به بعض المواضع القريبة منه ، كالهمداني عند ذكره معدن الضبيب .
هذا الهضب الذي يحمل من تاريخ العرب في الجاهلية ما لا تحمله ذاكرة مكان آخر ، قد أصبح غير معروف باسمة القديم في هذا العهد ، و لذلك نهض عدد من العلماء المتأخرين ، ليتـثبتوا من تحديد موقعة ، مع معرفة اسم مسمّاه حالياً ، فلنمعن النظر في أقوال العلماء قديماً و حديثاً عن هذا الهضب ، ثم من دراسة النصوص و المشاهدة الميدانية نوضح رأينا في هذه المسألة .
أقوال المتقدمين من العلماء
1- قال ياقوت و هو يستعرض أقوال أهل العلم عن هذا الهضب : هضب القليب علم فيه شعاب كثيرة ، قال الأصمعي : هضب القليب بنجد ، و الهضب جبال صغار، و القليب في وسط هذا الموضع يقال له ذات الإصاد ، وهو من أسمائها، و عنده جرى داحس و الغبراء ، قال العامري : هضب القليب نصف بيننا و بين بني سليم ، حاجز فيما بيننا ، و القليب الذي ينسب إليه بئر لهم ... و قال أبو زياد: و بنو وبر بن الأضبط بن كلاب لهم من المياه هضب القليب ، و القليبب ماء ، و لهم هضب كثير .
و في رسم ذات الإصاد قال ياقوت : ذات الإصاد بالكسر : اسم الماء الذي لُطِمَ عليه داحس فرس قيس بن زهير العبسي ، و كان قد أجراه مع الغبراء فرس لحذيفة بن بدر الفزاري ...
و قال أبو عبيدة : ذات الإصاد : ردهه في ديار عبس وسط هضب القليب ، و هضب القليب علم أحمر فيه شعاب كثيرة في أرض الشربه ، وقال الأصمعي : هضب القليب بنجد جبال صغار، و القليب في وسط هذا الموضع يقال له ذات الإصاد،وهو من اسمائها(1) ،والردهة : نقيرة في حجر يجتمع فيها الماء .. و في رسم دارات العرب قال ياقوت: دارة و يقال دارة هضب القليب ، قال جميل :
أشاقك عالجٌ فإلى الكثيب .
إلى الدارات من هضب القليب .
2- قال البكري معلقا على شعرابن مقبل في رسم المضيّح(2):
سَلِ الدَّارَ من جنبي حبرٍ فواهب
إلى ما رأى هَضْب القليب المضّيحُ
هضب القليب لبني قنفذ من بني سليم . و هناك قتلت بنو قنفذالمقصصَ العامري . وفي رسم ذات الإصاد قال : ذات الإصاد بكسر أوله و بالدال المهمله على وزن فعال : موضع ببلاد فزارة،وهو الموضع الذي أقعد فيه حذيفة بن بدر فتياناً من فزارة،لما تغالق هو وقيس ابن زهير على داحس و الغبراء و قال لهم : إن مرّ بكم داحس متقدما فالطموا وجهه و نهنهوه حتى تقدمه الغبراء ، ففعلوا ، ثم مضى داحس حتى لحق غبراء ، قال بشر بن أبي حمام العبسي :
لُطمِنَ على ذات الإصاد و جمعهم يرون الأذى من ذلةٍ و هوان
و قال اليزيدي : ذات الإصاد : أراد ذات حسيٍ. و قيل ذلك الشعب يسمّى شعب الحيس ،لأن حذيفة أطعمهم هناك حيساً .و قال الصولي : وقد أنشد قول أبي تمام :
و غادر في صدور الدهر قتلى بني بدر على ذات الإصاد
ذات الإصاد : الردهة التي قتل عليها قيسُ بن زهير حذيفة بن بدر ، و هي موضع ماء بالهباءة .
و أقول :يحسن التنويه هنا إلى أن في قولي اليزيدي و الصولي اللذين أوردهما البكري في كلامه على ذات الإصاد إلتباساً واضحاً من الخلط ،فاليزيدي: خلط بين ذات الإصاد
و ذي حسي ، وبين ذي حسي و شعب الحيس ، فهي أ سماء لثلاثة مواضع مختلفة ، فذات الإصاد : اسم للردهه أو القليب الذي من عندها ذرعت مسافة السباق و إليها منتهى الغاية،وذو حسي:وادٍ قد وقعت فيه إحدى وقائع أيام داحس و الغبراء ،وهو اليوم يعرف بـ"حسوعليا" وفيه بلدة كبيرة بهذا الاسم ، لبني عبد الله من مطير،و شعب الحيس في وسط هضب القليب ، وفيه موضع الردهه و القليب الذي ينسب إليه الهضب ، قال نصر: الحيس : شعب الحيس بالشّربّة من هضب القليب في ديار فزارة ، سُمّي به ، لأن حمل بن بدر ملأ دلاءً من الحيس ووضعها في هذا الشعب ، حتى شرب منها قوم ردوا داحسا عن الغاية.
و قال حمد الجاسر : الحيس : يصنع من التمر و الإقط (3). أما الصولي : فخلط بين مقتل حذيفة بن بدر على ماء جفر الهباءة وماءة ذات الإصاد ، فهما موضعان متغيران.
3- قال الأصفهاني : و هضب القليب: بلاد منقطعة لعمرو بن عبد الله بن كلاب ، و ناحية منها لبني سليم .. قال العامري : و هضب القليب : نصف ما بين بني عامر و بني سليم ، حاجز فيما بيننا و بينهم ، و القليب الذي ينسب إلية الهضب لهم(4).
و أقول : القول في أن هضب القليب لعمرو بن عبد الله بن كلاب لا يتعارض مع قول أبي زياد المتقدم في نص ياقوت في أن هضب القليب من مياة و بر بن الأضبط بن كلاب ، فالحيّان كلاهما من بني كلاب من بني عامر ، فلا أشكال في أن يتجاورا أو يعقب أحدهما الأخر في هذا الموضع .
أمّا أن تكون بلاداً منقطعة :- أي غير متصلة بديار بني عامر – فالأصفهاني لم يوضح السبب ، و لكن أن تكون من مياه وبر بن الأضبط و مشاركة بني سليم لهم فيه دليل على أنها متعالية بجهات حدود بني سليم النجدية الواقعة إلى الشرق من حرّة رهاط ، و لبني محارب ابن خصفة في عهد الأصفهاني منازل كثيرة تقع بين بني سليم وبني الأضبط في هذه الناحية ، فليس من المستبعد أن يكون ذلك هو السبب في أن تكون بلاداً منقطعة ، مثلها في ذلك مثل جبل "فرقين " الذي يمرُّ وادي الشعبة بينة وبين جبل شابه ، فقد عّدة الأصفهاني من جبال ربيعة بن الأضبط من بني كلاب (5) ، فيما بلاد واسعة تتخلّلهاُ جبال و أودية و مياة لبني محارب تقع بين جبل فرقين هذا و بلاد ربيعة بن الأضبط بجهات جبل المضيّح .
4- قال الزمخشري :ذات الإصاد : ردهة وسط هضب القليب ، وهضب القليب علم أحمر في شعابُ كثيرة وهي في نجد .(6)
5- قال الهمداني : وهو يعدد معادن اليمامة و ديار ربيعة : و معدن الضبيب .. عن يسار هضب القليب .(7)
6- روى بن الأثير ما دار من نقاش بين حذيفة بن بدر و قيس بن زهير في الخيل و ميدان السباق و قال ..... قال له قيس : نفّس في الغاية و أرفع في السبق فقال حذيفة : الغاية من "أبلى" إلى "ذات الإصاد" و هو قدر مائة و عشرين غَلوَة و السبق مائة بعير (8) .
و أقول : يكاد متقدموا العلماء يتفقون على أن مسافة السباق كانت مائة غَلوة ،خلافاً لرواية بن الأثير هنا ، و الغلوة : مائة باع ، أو: أبعد مسافة يقطعها السهم ، و الميل ، ألف باع ،
و الفرسخ : ثلاثة أميال ، و للبريد : أربعة فراسخ (9) و على هذا فمسافة مائة غلوه ،هي على أقل تقديرا تتراوح بين 19 إلى 20 كيلاً .
7 – و قال أبو عبيدة : و قد جعلت بنو فزارة كميناً بالثّنِيّة ، فاستقبلوا داحساً فعرفوه ، فمسكوه و هو السابق … حتى مضت الخيل و أسهلت من الثنية ، ثم أرسلوه فتمطّر في آثارها أي : أسرع فجعل يبدرها فرساً فرساً ، حتى سبقها مصليّا ، و قد طرح الخيل غير الغبراء ، و لو تباعدت الغاية سبقها(10) ……
(1) معجم البلدان : 1/205، 2/331، 3/347، 5/ 407
(2) معجم ما استعجم : 1/ 161، 2/ 235
(3) العرب : شعبان / 1408هـ عدد 120
(4) بلاد العرب : 141 - 142
(5) المصدر نفسه : 194
(6) الجبال و الأمكنة و المياة : 147
(7) صفة جزيرة العرب : 291 ، 299
(8) الكامل : 1/346
(9) النحو الوافي : 2/ 254
(10) النقائض : 1/86
==============================
خلاصة ما سبق :
1- هضب القليب يقع بالشربة من أرض فزارة في عالية نجد .
2- إنه علم أحمر فية شعاب كثرة .
3- إنه جبال صغار .
4- هذا الهضب نصف بين بني عامر وبني سليم .
5- القليب التي تضاف إليه وسط هذا الهضب في حقوق بني سليم .
6- ذات الإصاد : اسم الماء الذي تنتهي إليه الغاية من السباق ، ومن عنده بدأ الذارع يذرع مسافة السباق ، و هي مائة غلوة : أي : أثنا عشر ميلا تقريبا ، و انتهى إلى مكان ليس له اسم (11) ، و قيل : "أبلى" و قد سبقت الإشارة إليه ، و قيل "واردات " وفي رواية أن واردات (12): اسم أُطلِقَ لاحقا على المكان الذي انطلقت الخيل منه إلى ذات الإصاد (13)، و ذات الإصاد عند الأصمعي من اسماء القليب المضاف لها الهضب ، و عند أبي عبيدة و الزمخشري اسم "الردهه" التي يعدُّ أوّل من يكرع فيها من الخيل المتسابقة هو السابق .
7- شعب الحيس : وسط هضب القليب .
8- في طريق السباق "ثنية" غير بعيدة عن الغاية وهو مكان الكمين الذي أقعد فيه حذيفة فتيانا من قومة لصد داحس عن الغاية إن جاء سابقا
9- فيه داره و يوصف بكثرة الدارات .
10- معدن الضبيب يقع عن يسار هضب القليب .
أقوال بعض العلماء المتأخرين عن هضب القليب
1- قال الشيخ حمد الجاسر - يرحمه الله - : أكثر أقوال المتقدمين عن هضب القليب تدل على أنه يقع بين بلاد بني سليم وبلاد بني عامر ، بقرب جبلي "المضيح" و "حبر" المعروفين على ضفة وادي الجرير ( الجريب قديما ) ، و أكثر الأوصاف التي ذكروها تنطبق على ما يعرف الآن باسم (طخفة) الواقعة غرب هضب العسيبيّات على ضفة وادي الجرير الغربية ، و تسمية طخفة لهذا الهضب حادثة ، فطخفة معروفة قديما و حديثا تقع شمال ضريّة بينها و بين إمّره(14) ...
2- قال سعد بن عبد الله بن جنيدل – يرحمه الله – في رسم طخفة في أعالي الجرير : هضاب حمر كبار ، تقع غرب هضاب شعب العسيبيات ، يمر وادي الجرير بينها و بين هضاب الشعب ، واقعة في بلاد ربيعة بن الأضبط ، أما في هذا العهد فإنها واقعة في بلاد الروقة من عتيبة التابعة لإمارة عفيف ، و لم أر لها ذكراً بهذا الاسم في كتب التاريخ و يبدو لي أن هذه الهضاب هي هضب القليب ، و أن تسميتها طخفة تسمية حديثة (15).
3- قال العبودي وهو يتكلم عن طخفة المشهورة : هناك جبل آخر يسمية بعض أهل البدو (طخفة) غير جبلنا هذا الذي نتكلم عليه وهو واقع إلى الغرب من طخفة الحمى هذه بمسافة بينهما حوالي (170) كيلاً وهو هضب آخر أعتقد أنه هو الذي كان يسمى في القديم "هضب القليب" تغيّر إلى طخفة (16).
حـول طـخـفـة
تقدم ذكر ما تقرر عند بعض علماء البلدان المعتبرين من أهل العصر من كون طخفة الجرير هي هضب القليب ، فلّما كان المشاهد أصح أخباراً من الناقل – كما يقال – بدأت زيارة لطخفة هذه يوم الأربعاء 1/محرم /1434هـ و قد أدركنا الليل عندها ، فبتنا بجوارها في هضب حسلات ، و في الصباح الباكر كان لنا جولة ثانية فيها ، و قد أظهرت المشاهدة أن طخفتنا هذه تتألف من هضبتين كبيرتين متغايرتي اللون ، إحداهما (حمراء) و هي الجنوبية ، و الأخرى (شهباء) وهي الشمالية ، وكان لافتاً رؤية بقع من الشامات السود في سفحها الشرقي و الغربي ، على هيئة طخاف المزن ،
فالهضبتان متجاورتان من الشمال إلى الجنوب ، و يقال لهما (طخفات) بصيغة الجمع ،والمسافة بينهما لا تزيد عن كيلين اثنين ،مع خلو موضعهما من أي قطعة من الأرض يمكن أن تنطبق عليها صفة الدارة عند العرب ، و هي أحدى صفات هضب القليب .
انظر الصورة رقم (1،2)
و من جانب آخر فأن النظرة في منازل القبائل العربية القديمة توضح أن منازل بني عامر تقع إلى الشرق من منازل بني سليم في أي نقطة يلتقون عندها ، على طول الحدود المشتركة بينهما ، فيما طخفة هضبتان متوازيتان من الشمال إلى الجنوب واقعة في ديار بني الأضبط بن كلاب العامريين ، في خط إمتدادهم على الضفة الغربية لوادي الجرير (الجريب قديماً).
و هذا الواقع لا يتفق لا من حيث المنازل بين القبيلتين و لا مع ما نقل الأصفهاني و ياقوت عن الأصمعي و العامري من أن هضب القليب جبال صغار ، نصفة لبني عامر و النصف الآخر لبني سليم فحسب ، بل يبعد إحتمال أن تكون طخفة هي هضب القليب ، و أيضاً يثير التساؤل عن اسمها : هل كان قديما أم حديثا ؟
جُحَيْفة الضبابيّة و طخفة
هناك ما يدل على أن طخفة هذه كانت تعرف بهذا الاسم منذ القدم ، فقد ورد على لسان الشاعرة جحيفة الضبابية من بني كلاب العامريين اسم طخفة مقروناً بذكر"هضب القليب"و"جُزجُز"ـــ وهذا الأخير عدّه الأصفهاني من جبال بني وبر بن الأضبط ــ في قصّة لها مع زوجها ، و قد توعّدُها أن قالت بيتاً أن يقتلها (17) ، فلم تمتثل لأمره فقالت :
دَعُوْني و أبياتاً أقُلْهنَّ و يَحْكمْ
و إن جَمَعَتْ حرباً سليمُ وعَامِرُ
نَعَمْ أنا عن هضب القليب جُزجُز
وعن طِخْفةََ الشمِاء لابُدّ نَافِرُ
كما نَفَرتْ صهباء عَنِ البَوِّ قَادَهَا
إلى غير شبهٍ بالحِنَاكِةِ عَاسِرُ
و كلمة "الشماء" نوّه عنها الأستاذ : الشايع أنها في اصل المخطوطة "الشيماء" و ليست الشماء(18). وفي محيط المحيط : "الأشيم من به شامات، و الأنثى شيماء ج شيم و شوم"(19).
وفي كلامه على حمى ضرية ذكر أبو علي الهجري هضب الأشيق بناحية سواج ، و منه هضبة يقال لها "الشيماء"(20)، و علل تسميتها بالشيماء لوجود سواد في عرضها و أنشد لأحد الشعراء في وصفها :
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيْتَنَّ ليلةً
و هضْبُ الحِمَى جارٌ لأهلِي مُخَالفُ
نَظَرْتُ فَطَاَرتْ من فِؤادي طيرةٌ
ومن بصري خلفي لو أني أُخالِفُ
إلى قُلةِ الشيماء تبدو كأنها
سماوة جَلبٍ أو يمانٍ مفاوفُ
ترى هضبها من جانبيها كأنها
جريدةُ شَوْلٍ حول قومٍ عَواكِفُ
و كان لي وقفة عندها أثناء رحلة قمت بها عام 1405هـ متتبعاً أعلام حمى ضرية القديم ،
و قد شاهدت في أعلى عرضها السواد الذي ذكره أبو علي الهجري ، و هي اليوم تعرف باسم " الدودية" على مقربة من الطرف الشمالي لجبل سواج ، و تقدم في وصف طخفة الشمالية كثرة الشامات فيها ، مما يعطي إنطباعاً أن وصفها بـ"الشيماء" كان تميزاً لها عن طخفة الواقعة بين سواج و ضرية .
وعن العهد الذي عاشت فيه الشاعرة يرجح الشيخ حمد الجاسر – يرحمة الله – أنها عاشت في عهد يقرب من عهد أبي علي الهجري : "من أهل القرن الثالث الهجري" ، و أورد ترجمة لزوجها و قال : و لجحيفة هذه أخت اسمها شريقة شاعرة ... و مما ذكر المهاجاة بين جحيفة و بن الدُّهي الفزاري ، و أن زوجها قُرّة "أو عقبه" بن عياض اللبيدي (أحد بني مالك بن أهيب بن عبد الله بن قنفذ بن مالك بن عوف بن أمرئ القيس بن بهثه بن سليم ) (21).
و بنو قنفذ هم سكان شطر هضب القليب الذي لبني سليم ، بنصّ الأصفهاني السابق ذكره
ومن فروعهم : بنو غلاّق و بنو لَبِيد قال الشاعر:
تَغَنيّتَ يا عْمِريُّ لما تَبَاعَدَتْ
بنو قُنَفُذٍ غَلاّقُها و لَبِيدُها
و السؤال : من أي طخفة ستنفر عنها جحيفة إن قامت – بسببها – الحرب بين بني عامر وبني سليم ؟ هل هي طخفة الواقعة على طريق الحاج البصري بين سواج و ضرية ، و هي من أشهر مواطن قومها"الضباب" و سكناهم أم من طخفة أخرى ؟
والواقع أنه بعد ثلاث زيارات قمت بها بين حين وآخر لـ"هضبة طخفة الجرير" بتُّ مقتنعا بأن طخفة في شعر جحيفة هي طخفة الجرير ، و عليه فهي تحمل هذا الاسم منذ القدم .
نظرة على هضب حسيلات
لمّا استبعدت أن تكون طخفة الجرير هي هضب القليب استرعى إنتباهي هضب أحمر صغار بجوارها ، على مسافة ثمانية عشر كيلاً نحو الجنوب الغربي منها ، يقال له "حسلة" و أحياناً "حسلات" بصيغة الجمع قد يكون هو هضب القليب ؛ لقربه من جبل "حبر" من ناحية ، مع إمكانية رؤية جبل "المضيح" من عنده إن كان الجو صحواً من ناحية آخرى ، كما جاء في شعر بن مقبل :
سَلِ الدَّارَ من جنبي حبرٍ فواهب
إلى ما رأى هَضْب القليب المضّيحُ
و هذا الهضب ذكره أبن جنيدل في معجمة (22) و قال: و لم أرَ لحسلات ذكراً فيما اطّلعتُ عليه من كتب المعاجم القديمة . و أورد في تحديده ووصفه شعراً لشاعر من البادية مرّ به في يوم ممطر ،
فأنشأ يقول :
سَوّيْتْ لي فنجال عذب شَرَابهْ
بِدْلاَلْ شاميّات بيْضٍ رَبِيْبَــهْ
من هضبةٍ حمرا و طَاهَا سَحَابَه
مَزْمُومة في وسط دِيرة عتيبَةْ
مقابلة للشعب تسْبرْ هَضَابهْ
شمال حبر من الغرابه قريبةْ
ثم قال : يبدو لي أن "حسلة" الواقعة في أعلى الجرير هي الجبل المعروف قديماً باسم واهب ؛ لأن واهباً ورد في الشعر العربي مقروناً بذكر "حبر" و "المضيح" و "هضب القليب" القريبة من حسلة ...
و أقول : بما أن ابن مقبل قد ذكر هضب القليب مقروناً بذكر ثلاثة مواضع من الجبال لاتزال معروفة و هي : " حبر" و "واهب" و "المضيح" فالأول : يقع إلى الغرب من أعالي وادي الجرير ، على مقربة من الذنائب في أسفل الدفينة ، و الثاني : يطلق على
" قاع" و "حزم" فيقال : قاع واهب و حزم واهب جنوباً من حبر (23) ، و "حسلة" هذه في شماله ، و الثالث : يشاهد من هضبة تيماء بجوار بلدة طلال بالعين المجردة على الضفة الغربية لوادي الجرير ، و عليه فـ "حسلة" ليست بواهب ، و لذلك أجدني أكثر إندفاعاً إلى البحث عن أدلة و قرائن تؤيد أو تنفي ما يجول في ذهني من إحتمال أن تكون هي هضبنا مدار البحث .
فبالرجوع إلى معاجم البلدان القديمة والحديثة تبيـّن بوضوح أن"حسلة" في شعر القتال الكلابي :
عفا من آل خرقاء السَّـتَـارُ
فبُرقَةُ حَسْلةِ منها قِـفََارُ
فِأوحشَ بعدنا منها حبرٌ
ولم توقد لها باَلذّئب نَارُ
لَعَمْرُك إننّي لأُُُحبُّ أرضاً
بها خَرْقاء لو كانت تزارُ
هي "حسلة" الواقعة في الغرب من أعالي وادي الجرير ، وليست "حسلة أو حسلات" بناحية شعبا ، بدليل أنه ذكر إلى جانب برقة حسلة ثلاثة مواضع من الجبال متقاربة معها ، و هي "الستار" بالقرب من هضب الجثوم في الجهة الشرقية لمجرى وادي الجرير و"حبر" جنوباً من حسلة ، و "الذئب" جنوب بلدة ثرب ، أمّا برقة حسلة فتقع بينها و بين حبر(24).
(11) أيام العرب في الجاهلية : 251
(12) النقائض : 1/86
(13) نظرات في معاجم البلدان : 1/64
(14) الجوهرتين : 381 هامش( 1)
(15) معجم عالية نجد : 2/876
(16) معجم بلاد القصيم : 4/ 1471
(17) التعليقات والنوادر : 2/565
(18) نظرات في معاجم البلدان : 1/53-54
(19) محيط المحيط : 493
(20) التعليقات والنوادر : 3/1424
(21) التعليقات والنوادر : 2/564
(22) عالية نجد : 1/333
(23) الدخول و حومل : 212- 224 للشايع
(24) نفس المصدر :215