بسم الله الرح ــــمن الرح ــــيم } ~
ممـآ رآق لي :
ع ـــــبادة الحب في الله
عبادة الحب في الله عبادة عظيمة وأجر وافر يغفل عنه كثير من الناس مع أن الحاجة ماسة إلى تلك العبادة في كل حين ، وفي الآونة الأخيرة أشد .
لقد عملوا للحب
عيدا ً ، ولا يخفى ما فيه مما
لا يرضي الرب جل وعلا .
فما أحوجنا نحن المسلمون إلى تلك العبادة الأصيلة .فما هي تلك العبادة ؟
وما فضلها ، وشروطها ، وواجباتها ، وتعالوا نمتع الآذان بشيء من أخبار المتحابين في الله .
الحب أصله في لغة العرب الصفاء لأن العرب تقول لصفاء الأسنان حبب . وقيل مأخوذ من الحـُباب الذي يعلوا المطر الشديد .
وعليه عرفوا المحبة بأنها : غليان القلب عند الاحتياج للقاء المحبوب .
الحب من طبيعة الإنسان ، فالحب عمل قلبي ، ولذا كان الحب موجود منذ وجد الإنسان على ظهر هذه الأرض ،
فآدم يحب ولده الصالح ، وابني آدم كان ما بينهما بسبب المحبة ، وتظل المحبة على وجه الأرض ما بقي إنسان .
ولما كانت المحبة بتلك المنزلة جاء الإسلام ليهذبها ، ويجعل هذا الرباط من أجل الله ،
فالمؤمن يحب من أجل الله ويبغض لله يوالي له ويعادي له ، وهكذا الحياة كلها لله :
{
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له }
وقد امتن الله عز وجل بهذا التأليف للقلوب قال سبحانه وبحمده :
{
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا ً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون }
وقال جل وعلا :
{
وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ًما ألفت بين قلوبهم }
{
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم }
هذه المحبة امتدت لتشمل من رأيناهم ومن لم نرهم . تأملوا في تلك الآية :
{
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا }
فسبحانك ربي محبة تربط أجيال بأجيال أخرى لم يحصل بينهم أي تلاقى ٍ للأجساد ولكن جمعتهم المحبة في الله .
يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فيقول وددت لو لأني رأيت أحبابي
قالوا يا رسول الله ألسنا أحبابك ؟ قال : أنتم أصحابي أحبابي يأتون بعدي آمنوا ولم يروني .
تخيل .. بل تأمل .. النبي صلى الله عليه وسلم يحبك أنت ويشتاق لك .
ولذا وجد في الأمة من يتمنى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بما له من أهل ومال .
فانظر إلى جيل التابعين ثبت في مسند الإمام أحمد عن محمد بن كعب القرظي قال :
قال فتى منا لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ؟
قال نعم يا ابن أخي ، قال فما كنتم تصنعون ؟ قال والله لقد كنا نجهد ، قال والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولجعلناه على أعناقنا .
وهذه المحبة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ممتدة لأهل الإيمان وإن كانت في حق النبي صلى الله عليه وسلم
ينبغي أن تقدم على النفس والأهل والمال ، فإن محبة المؤمنين أيضا هي من الإيمان .
فضل عبادة الحب في الله
المحبة لها علاقة بالإيمان
في الصحيحين من حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأنصار :
"
لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق " .
بل إن بها حلاوة الإيمان
في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " .
وبها يستكمل الإيمان
فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال :"
من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" . رواه أبو داود .
هي أوثق عرى الإيمان
عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ً :
"
أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله ". رواه الطبراني وحسنه الأرناؤط .
وهي طريق إلى الجنة
روى مسلم من حديث أبي هريرة:
"
والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "
وتجلب محبة الله
روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرسل الله له على مدرجته ملكا ً ..... فقال إن الله قد أحبك كما أحببته فيه .
بل تجلب محبة الملأ الأعلى أجمعين مع القبول في الأرض
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
"
إذا أحب الله عبدا دعى جبريل فقال يا جبريل إني أحبه فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ".
يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله يقول يوم القيامة :
"
أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ".
الحب في الله سبب في دخول الجنة
فهي من الأعمال الصالحة التي تستوجب حسن الثواب ، ولها ثواب خاص .روى الترمذي بسند حسن صحيح عن معاذ بن جبل رضي
الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"
المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء " .
مع من أحب
في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"
المرء مع من أحب " .
اللهم إنا نحب نبيك صلى الله عليه وسلم والصالحين أجمعين فاحشرنا معهم بمنك وكرمك
شروط المحبة في الله
1 ـ أن تكون لله ، فكل عمل لغير الله لا يقبله الله ، ومعنى كونها لله أنها لا تتأثر ببياض أو سواد أو حزب أو جماعة
أو بلد أو عرق بل هي لله وحده لا شريك له .
2 ـ أن تكون على الطاعة ، فالحب في الله طاعة لله ، فهل تستغل طاعة الله لشيء محرم ؟ ! .
3 ـ أن تشتمل على التناصح ، فالمؤمن ناصح للمؤمنين أجمعين ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول
كما في صحيح مسلم من حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه :" الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ".
واجبات المحبة في الله
1 ـ إخبار من يحب .
فعن المقداد بن معدِ يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"
إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " . رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن .
2 ـ أن تحب له ما تحب لنفسك .
لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
3 ـ الهدية .
في سنن البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
تهادوا تحابوا ".
4 ـ إفشاء السلام .
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"
لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ".
5 ـ البذل والتزاور .
والمقصود البذل بمعناه الواسع بذل من الوقت والجهد والعلم والمال .
إن أخاك الحق من كان معـك * * * ومن يضـر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صـدعك * * * شتت فيك شمله ليجمعك
6 ـ حرارة العاطفة :
روى الطبراني في الأوسط من حديث عائشة قالت : " جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه و سلم فقال يا
رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر
إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ،
فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ... ".
أحبتي :
هيا نشوق الآذان بشيء من أخبار أولئك الأعلام :
* وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابنه الحسن : يا بني الغريب من ليس له حبيب .
* وقال الحسن البصري : إخواننا أحب إلينا من أهلينا ، إخواننا يذكروننا بالآخرة وأهلونا يذكروننا بالدنيا .
* وقال بعض السلف إن الذباب ليقع على صديقي فيشق علي .
* وهؤلاء سافروا فلما أظلم عليهم الليل دخلوا غار وكان البرد شديد وليس للغار باب فانظروا لروعة فعل أحد المحبين
يقول فقمت مقام الباب أي أنه اشتغل في تلك بعمل جسده بابا للغار حتى لا يدخل البرد فيؤذي أحبابه
وأختم بهذه الأبيات الرائعة للإمام الشافعي رحمه الله :
إذا المرء لا يرعـاك إلا تكلفـــــــــا * * * فدعه ولا تكثر عليه التأسفــــا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة * * * وفي القلب صبر للحبيب ولو جفـا
فما كل من تهـواه يهواك قلبــــــــه * * * ولا كل من صافيته لك قد صفــا
إذا لم يكـن صـفو الود طبيعـــــــــة * * * فلا خيـر في ود يجيء تكلفـــا
ولا خير في خِل ٍ يخـون خليــــــــله * * * ويلقـاه من بعـد المودة بالجـفـا
وينـكر عيشا ً قد تقـادم عهـــــــــده * * * ويظهـر سرا ً كان بالأمس قد خفا
سلام ٌ على الدنيا إذا لم يكـن بهـــا * * * صديق ٌصدوق ٌصادق الوعد منصفا
/
اللهم اجعلنا جميعاً من المتحابين في جلالك كما تحب ربنا و ترضى ـآ ، اللهم ظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك ، اللهم اجعلنا علي منابر من نور يوم القيامة ، وغداً نلقى الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم أجمعين ، و اللهم صلّ وسلم على ـآ نبينــــآ محمد وعلى ـآ آلــه وصحبه أجمعين و الحمدلله رب العـآلمين
،’
و حفظكم المولى ـآ من كل سوء
،’