نهاية الأسبوع
الشاطر من يضحك أخيرا ..
بقلم عيسى الجوكم
** حتى أناملي بدأت تخونني .. وما بقي من الكلمات رذاذ مطر .. لا تكفي لحرث الزرع في أرض ناصعة البياض .. وحرفي أصابه الوهن .. وعباراتي تسير ببطء .. كأنها وصلت لقاعة الشيخوخة ..!!
** كل ما أعرفه .. أن الإشارة الحمراء أضاءت بشدة عندما أمسكت قلمي لأكتب .. هزمت في أكثر من محاولة لإزاحة اليأس من طريقي .. واستسلمت حينها لمنطق السقوط ..!!
** فجأة .. تذكرت أن النهوض بعد السقوط .. يبعث على التصميم والإرادة .. ويفتح آفاقا جديدة .. ويمنح الفكرة .. ويزيل العبرة ..!!
** لا أعرف لماذا انتابني شعور بنشوة الانتصار .. وأنا انتقل من ضفة الهزيمة التي مكثت بها لساعات طوال أحاول تمرير أحرفي وكلماتي بولادة قيصرية .. إلى الضفة الأخرى التي أمضيت فيها دقائق معدودة فقط .. وأنهيت الفكرة والعبارة والمضمون ..!!
** باختصار لقد جلست قبالة ندمائي الدائمين .. والممسكين بكل حواسي ليل نهار .. صباح ومساء .. في صحوي ونومي .. أحدهم لا يفارقني أبدا .. فهو عيني ولساني وسوطي وقوتي وضعفي .. !!
** ونديمي الثاني .. فتاة بيضاء جميلة .. تأسرني طلتها من على الطاولة .. ويأخذني بياضها إلى عالم آخر أبوح فيه بكل أسراري وأفكاري .. تتبدل وتتمزق هذه الفتاة عشرات المرات في اليوم .. لكنها لم تعاتبني قط .. رغم قسوتي معها .. فهي القلب الحنون التي تتحمل عصبيتي وانفعالاتي .. وهي صندوق أسراري ..!!
** أما نديمي الثالث .. فهو معي وليس معي .. يخطط ويهندس في الخفاء .. يفرش لي الطريق بالورود تارة , وبالأشواك تارة أخرى .. يرمي بي في المجهول في أحيان كثيرة .. وينزلق بي في بعض المحطات للتهلكة ..!!
** أما نديمي الرابع .. فهي صديقة مزاجية .. تسير معي كظلي .. لكنني لا أراها أيضا .. أنا وهي في صراع دائم .. وفي معركة شرسة .. انتصر عليها في مرات قليلة .. وتطيح بي في مرات كثيرة .. شريرة وخيرة في آن واحد ..!!
** هل تريدون أن تعرفوا أولئك الندماء ؟ هل هم من صنف البشر أم الجماد ؟ هل نتحكم بهم .. أم العكس صحيح ؟!!
** حسنا .. سأخبركم .. ولكن دعوهم وشأنهم .. فكثيرا ما نلقي باللوم عليهم ونعيبهم ونبرر أخطاءنا على حسابهم .. والحقيقة هي أننا من نجرهم معنا لمحطة اللامعقول واللااتزان ..!!
** نديمي الأول قلمي .. والفتاة الجميلة التي لا تقاوم في بياضها ورقتي البيضاء فوق مكتبي .. ونديمي الثالث وهو الأصعب عقلي الذي لا يفارقني .. أما النديم الرابع فهي النفس التي تقودني للشر والخير معا ..!!
** تساءلت مع ندمائي .. هل يعقل أن يتحول شعر نزار قباني لكلمات صماء لا تؤثر في الاحاسيس والمشاعر ؟ وهل يعقل أن يصدر من حنجرة فنان العرب محمد عبده صوت نشاز ؟ وأن تكون لوحات دالي فنا رخيصا لا يجعلك تذهب مع رسوماته لعالم آخر ..؟!
** هكذا خيل لي مع ندمائي الأربعة .. ونحن نتابع زعيم آسيا يترنح في الدوحة لأكثر من مائة دقيقة .. قبل أن يعود أسدا كما عرفه الجميع في دقيقتين فقط .. لم نتخيل أبدا أن تتحول معزوفة الهلال في الوقت الأصلي للمنازلة .. لناي حزين يحمل نبرة الوداع .. وينغمس في الأوجاع .. وتسبح دموعه في بحر الخدود .. وهو الناي الذي لم يغادر ألحان الفرح في كل أمسياته الهامة ..!!
** ولأنه الهلال الذي يسكن في حي البطولات .. شارع الألقاب الذهبية .. فيلا رقم واحد .. رخامها من ذهب عيار 24 .. وسورها ألماس مرصع بتاريخ القرن في أكبر قارات العالم .. وحراسة نجوم أفذاذ يشار لهم بالبنان لشجاعتهم ومهارتهم وعنفوانهم .. فإن الناي الحزين وان صدح في البداية .. لا يمكنه أن يستمر مع الفرقاطة الزرقاء التي تعتلي كل أمواج الانهيار في لحظات ..!!
** وقديما قالوا «الشاطر من يضحك أخيرا» .. والحزن ليس هو الثوب الذي يلبسه الأزرق على مدار تاريخه .. ففي اللحظة التي جهز فيها أصحاب النفوس المريضة للتشفي في الزعيم .. وفي اللحظة التي ارتفعت أصواتهم بموت موهبة القناص .. واستمرار العقدة الآسيوية للهلال .. جاء الرد صاعقة عليهم وفي دقيقتين فقط .. هز فيها الكاسر شباك الغرافة .. وجنى المحياني ثمن جهده لأنه من صنع الفارق للهلال في النزال عقب مشاركته .. وأخيرا ردد جمهور الهلال «تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي» فلم يتغير أي شيء في المعادلة رغم خسارة الزعيم بثلاثية في الوقت الأصلي .. فالكبير هو من ينهض بعد السقوط .. أليس كذلك ..!!