لتعلم أخي المسلم ان الخوارج كلاب النار فرق متعددة منهم الأزارقة والنجدات والإباضية والصفرية وغيرهم ، ومن هذه الفرق (الخوارج القعدية) وهي من أخطر فرق الخوارج ، ومما تتميز به هذه الفرقة هي أنها لا ترى الحرب على الحكام لكن تزينه للآخرين ، ومثلهم مثل من أثاروا الناس في هذا الجحيم العبري المشؤوم وسموه زوراً وبهتاناً بـ "الربيع العربي" فورطوا الأمة وأوقعوا أبناءها في هذه المحارق والفتن الدموية التي دمرت الجزء الأكبر من بلاد المسلمين خدمة للشيطان وأعوانه.
قال الزبيدي رحمه الله في تارج العروس ( 5\195):
( القعدة قوم من الخوارج قعدوا عن نصرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن مقاتلته وهم يرون التحكيم حقا، غير أنهم قعدوا عن الخروج على الناس والقعد: الذين لا يمضون إلى القتال، وهو اسم للجمع ، وبه سمي قعد الحرورية ـ فرقة من فرق الخوارج ـ والقعد: الشراة ـ أيضا فرقة من فرق الخوارج ـ الذين يحكمون ولا يحاربون ، وهو جمع قاعد).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله واصفاً الخوارج القعدية:
(والقعد الخوارج ، كانوا لا يرون بالحرب ، بل ينكرون على أمراء الجور حسب الطاقة ويدعون إلى رأيهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه).
تهذيب التهذيب 114 /8
فترى في وصف الحافظ ابن حجر أن هؤلاء ينكرون على أمراء الجور أي الأمراء وأولياء الأمور الظلمة وفق طاقتهم مما يحرضون به ويهيجون الشعوب ، فهم يزينون الخروج على حكامهم في أذهان الشعوب العامة المسكينة لتحقيق مقاصدهم وآثروا القعود وانصرفوا عن قتال الحكام وحمل السلاح ، لكنهم يعتبرون من حركات الخوارج الثورية.
فهم الذين يهيجون الناس ويزرعون الأحقاد في قلوبهم على ولاة الأمر ، ويصدرون الفتاوى باستحلال ما حرم الله باسم تغيير المنكر وهم أخبث فرق الخوارج.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج19ص72) عن الخوارج:
ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا به جملة المسلمين وأئمتهم إحداهما: خروجهم عن السنة ، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة أو ما ليس بحسنة حسنة) وهم أخطر من الخوارج أنفسهم إذ أن الكلام وشن القلوب وإثارة العامة على ولاة الأمر له أبلغ الأثر في النفوس ، وخاصة إذا خرج من رجل بليغ متكلم يخدع الناس بلسانه وتلبسه بالسنة.
روى أبو داود في مسائل أحمد عن عبد الله بن محمد الضعيف أنه قال: " قعد الخوارج هم أخبث الخوارج " ص271
قال الآجري رحمه الله في الشريعة (ص21):
( لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء ، عصاة لله عز وجل ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن صاموا وصلوا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم ، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس بنافع لهم لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين ، وقد حذر الله عز وجل منهم ، وحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحذرنا الخلفاء الراشدون بعده ، وحذرنا الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله عليهم ).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة عمران بن حطان:
"وكان من رؤوس الخوارج من القعدية بفتحتين وهم الذين يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال"
الإصابة في تمييز الصحابة 5/303
فعمران بن حطان لم يقاتل بنفسه بل ذكر في ترجمته أنه كان يهرب خوفاً على حياته.
وأول هؤلاء الخوارج هو ذو الخويصرة التميمي وقصته في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم ، فقال: اعدل، فقال: ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قال: خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه ، فقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - في شرح الواسطية:
(وأول بدعة حدثت في هذه الأمة هي بدعة الخوارج ، لأن زعيمهم خرج على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ذو الخويصرة من بني تميم حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم ذهيبة جاءت فقسمها بين الناس ، فقال له هذا الرجل: يا محمد اعدل فكان هذا أول خروج خرج به على الشريعة الإسلامية ، ثم عظمت فتنتهم في أواخر خلافة عثمان وفي الفتنة بين علي ومعاوية ، فكفروا المسلمين واستحلوا دماءهم)
فهذا الرجل الذي خرج من صلبه الخوارج الذين قاتلوا الصحابة في النهروان لم يكن يقاتل الرسول بالسيف لكن اعترض على حكمه باللسان.
وقال الشيخ العثيمين في تعليقه على هذا الحديث (بل العجب أنه ـ يعني ذي الخويصرة ـ وجَّه الطعن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: اعدل ، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، وهذا أكبر دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف ، ويكون بالقول والكلام ، يعني: هذا ما أخذ السيف على الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أنكر عليه، ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال أنه لا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول)
وقد رأينا بعضهم يرد أحاديث صحيحة لم توافق هواه وشهوته ويحاول الطعن فيها ، وهذا مسلك الخوارج قديماً وحديثاً ، قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج19ص73) عن الخوارج إذا لم يعقلوا الأحاديث: ( فيطعنون تارة في الإسناد ، وتارة في المتن ، وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل ولا بحقيقة القرآن ).
سئل الإمام صالح الفوزان: "أحسن الله إليكم (...) أفتى أحد الدعاة في إحدى القنوات الفضائية بأن الخروج على الحاكم هو الخروج المسلح فقط، لا الخروج في المظاهرات ، فهل هذا الكلام صحيح؟
فأجاب الإمام الفوزان:
"هذا يتكلم بغير علم. الله أعلم إن كان جاهلاً نرجوا الله أن يهديه ويرده إلى الصواب ، أما إن كان مغرضاً فنرجوا الله أن يعامله بما يستحق ، وأن يكفي المسلمين شره.
الخروج على الإمام ليس مقصوراً على حمل السلاح ، بل الكلام في حق ولي الأمر ، وسباب ولي الأمر ، هذا خروج عليه ، هذا خروج عليه وتحريض عليه ، وسبب فتنة وشر ، فالكلام لايقل خطورة عن السلاح ، وكما قال الشاعر:
فإن النار بالعودين تُذكى..وإن الحرب أولها كلامُ
رب كلمةٍ أثارت حرباً ضروساً ، فالخروج على الإمام يكون بالسلاح ، ويكون بالكلام ، ويكون حتى بالاعتقاد. إذا اعتقد أنه يجوز الخروج على ولي الأمر فهذا شارك الخوارج هذه عقيدة الخوارج"
وقد بين الإمام محمد الصالح العثيمين مراد السلف من ذلك فقال: (وما يوجد في بعض كتب أهل السنة ، من أن الخروج على الإمام: هو الخروج بالسيف ، فمرادهم بذلك: هو الخروج النهائي الأكبر ، كما ذكر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الزنى يكون بالعين، ويكون بالأُذُن، ويكون باليد، ويكون بالرجل، لكن الزنى الأعظم: هو زنى الحقيقة ، هو زنى الفرج ، ولهذا قال: ((الفرج يُصدِّقه أو يُكذِّبه)).
وقال: "فهذه العبارة من بعض العلماء: هذا مرادهم ، ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال: أنه لا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول ، الناس لا يمكن أن يأخذوا سيوفهم يحاربون الإمام بدون شيء يثيرهم ، لا بد أن يكون هناك شيء يثيرهم ، وهو الكلام ، فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجًا حقيقة ، دلَّتْ عليه السنة ، ودلّ عليه الواقع.
أما السنة فعرفتموها ، وأما الواقع: فإنا نعلم علم اليقين: أن الخروج بالسيف فرع عن الخروج باللسان والقول ، لأن الناس لم يخرجوا على الإمام بمجرد أخذ السيف لا بد أن يكون توطئة وتمهيد؛ قدح في الأئمة ، وستر لمحاسنهم ، ثم تمتلئ القلوب غيظًا وحقدًا ، وحينئِذٍ يحصل البلاء".
رفع الأساطين الشريط الثاني
للحاجة الماسة إلى معرفته جمعته بتصرف من هنا وهناك