الرشايدة بين بادية السودان وجزيرة العرب ----- قبيلة عبسية.. الكفَّة ( وسمها ) والشيمة ( سلمها)
( مهند الرشيدي - حائل الالكترونية )
لعبت الظواهر الطبيعية مثل الفيضانات وحالات الجدب دورا أساسيا في هجرة القبائل عبر التاريخ والرشايدة قبيلة هاجرت من جزيرة العرب إلى السودان وهو ما يعيد إلى الأذهان تغريبة بني هلال وهجرة بعض القبائل العربية التي حدثت عقب انهيار سد مأرب.
ورغم تشابه مسببات الهجرة بين هذه القبائل الا ان هجرة الرشايدة تظل لها خصوصيتها وتميزها. فهذه القبيلة رغم ابتعادها عن محيطها فإن غربة المكان لم تطمس هويتها بل استطاعت برغم العمر الزمني الطويل ان تحافظ على عادات وتقاليد أهل الجزيرة داخل السودان. ولعل هذا هو ما استوقفنا لبحث أسباب تغليب ثقافة الفرد على ثقافة المجتمع والمكان.
وفي هذه الحلقات الأشبه بالدراما التاريخية سنحاول الغوص في أعماق هذه القبيلة الإفريقية ذات الملامح واللهجة الخليجية انطلاقا من السودان محيطها الجديد مع استحضار ماضيها في المملكة وكشف العديد من الأسرار المثيرة التي صاحبت هذه الهجرة.
الرشايدة في السودان وارتيريا لا يختلفون عن جذورهم في جزيرة العرب وقد حاولنا الربط والمقارنة بين أقطاب هذا الكيان المتفرع من خلال تسليط الضوء على هذا المجتمع في جزيرة العرب والغوص في أعماقه إيمانا منا بدور هذه القبيلة العريقة التي ساهمت في بناء هذا الوطن بدءا من المشاركة ضمن جيش الملك عبدالعزيز في فترة توحيد المملكة وصولا إلى الواقع الحضاري لهذا البلد .
توحيد المملكة والرشايدة
حينما قيض الله لهذه البلاد المباركة المغفور له بإذن الله جلالة الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه لتوحيدها رافعا راية لا إله إلا الله محمد رسول الله سائرا على منهج الحق والشرع الإسلامي كانت قبائل الرشايدة في منطقة حائل والحجاز من أوائل القبائل التي اعلنت الولاء تحت راية الموحد وقد ساهموا مع جيوش الملك عبدالعزيزفي ضم شمال غربي المملكة وكان للرشايدة ستة من بيارق تلك الحملة التي كانت بقيادة عبدالله بن عقيل وكما يظهر ذلك من خلال الوثيقة المؤرخة آنذاك في السابع من شوال من 1344هـ الموجهة من قائد الحملة إلى نائب الإمام الموحد حيث شكل الرشايدة ربع الحملة وكانت البيارق الستة من شيوخ الرشايدة وهم بن براك , وبن هادي , وبن سمره , وهديبان الجحيش , وابن شميلان وابن نومس وغيرهم وذكرت الوثائق في عهد الملك عبد العزيز قرى وهجر الرشايدة آنذاك قرية أنبوان وأميرها دليم بن براك وهي الآن مسكن للشيخ عبد الرحمن بن مطني بن دليم وقرية الروض لغازي بن هادي والعماير لساكر بن قعبوب والمريرلابن هديبان والحليفة لابن شميلان .
حجاج الرشايدة
الواقف على حقيقة الرشايدة في السودان يدرك اتصال الرشايدة بجذورهم في السعودية و ذكر الباحث مبروك مبارك سليم انه في عام 1343هـ 1924 م حضر الشيخ سعد بن الشيخ سليم العويمري والشيخ مرشود بن الشيخ مريحيم العمري والشيخ عبدالله بن الشيخ مبارك العايدي للحجاز وقابلوا الملك عبد العزيز آل سعود وبايعوه ولم يكن لديهم مشاكل في الدخول والخروج من الحجاز . وعند وفاة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود 2 ربيع الأول 1373هـ خيمت سحابة الحزن على الرشايدة في السودان بالسماع بوفاته . وبعد وفاته أصبحت الشرطة تتعرض للرشايدة في الحدود فحضر للسعودية كل من العمدة سليم بن الشيخ سعد العويمري والعمدة بركات غوينم والعمدة مبارك بن الشيخ عبد الله العايدي وقابلوا الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود ووضحوا له الأمر وأصدر امراً بشأن حجاج الرشايدة يعفيهم من الرسوم ويعطيهم حرية المرور في الحجاز وأن يعاملوا معاملة أهل الكويت وقال لهم رحمه الله : '' البلاد بلادكم واللي يبغي يجي ما أحد يقولكم لا وهذا أمر الملك عبد العزيز رحمه الله ''.
زيارة الملك فيصل
زار الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود السودان وافتتح مسجد حلفا الجديد وأقيم له مهرجان سباق هجن في خشم القربة وسبق فيه جمل العمدة سليم بن الشيخ سعد العويمري .
التواصل بين افراد القبيلة في مختلف الاقطار
امتداد الجذور التاريخية بين أفراد قبيلة الرشايدة في المملكة العربية والسودان جعلت أواصر العلاقة تزداد متانة فلم تنقطع أواصر القرابة والمصاهرة وتبادل الزيارات ويذكر عبد الله سعد بن علي العويمري أحد مشايخ العوامرة أنه في العام الفارط لبى دعوة وجهها له مبروك مبارك سليم أحد زعماء الرشايدة في السودان ونائب برلماني سابق وكذلك شيخ شمل الرشايدة في ارتيريا الشيخ حميد بن سحيمان وهو عضو برلماني في ارتيريا لزيارة القبيلة في كسلا في السودان وفي أسمرة في أرتيريا وامتدت الزيارة لعدة أيام يقول عنها الشيخ العويمري أن رابطة الدم التي تربط أفراد القبيلة في السعودية والكويت وعمان ومصر والسودان والمغرب العربي تقوم على صلة الرحم التي أمرنا بها المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم ونحن نتبادل الزيارات من هذا المنطلق والحقيقة رغم البعد المكاني والحدود الجغرافية والسياسية والطبيعية إلا أن أبناء العمومة هناك في السودان لا زالوا يحتفظون باللهجة الرشيدية التي نتكلم بها في حائل وحرة بني رشيد والمدينة المنورة وكذا العادات والتقاليد كما أن وسم الحلال من ابل وماشية هو الكفة التي على شكل دائرة تنحدر منها عصا تقطعها عصا أخرى بشكل أفقي التي هي وسم لقبائل الرشايدة في السعودية والخليج وكذا شاهد الوسم فإن بطون القبيلة وفروعها في السعودية والسودان تتشابه به أيضا حيث الفروع هي الفروع والوسوم هي الوسوم وذكرها الشاعر عيد بن مربح في قصيدة الكفة وقال :
ترمز لنا الكفة هوية وعنوانالناس تعرف والعواني ترودي
وقال الشاعر غنام الفريدسي:
كفه رسمها عبس من شان الاثباتيعرف بها العبسي ويعرف مكانـه
وقال الباحث الدكتور سعد الصويان (الرشايدة الكفة وسمهم والشيمة سلمهم) .
وفي حوار مع الشيخ فارس بن سمرة الذيابي في الثمد من محافظة خيبر قال الرشايدة هم الرشايدة وإن اختلف المكان أو الموطن في السعودية أو خارج السعودية يعودون إلى جد واحد ووسم واحد وبفضل الله دين واحد ومذهب واحد وما تبحثون عنه محفوظ في التاريخ من حرب داحس والغبراء وحتى توحيد وطننا الغالي ولا يمكن بحال من الأحوال أن تنقطع أواصر صلة الرحم والدم ونحن بحمد الله في ظل قيادة حكيمة منهجها القرآن والسنة المطهرة وتشرفت بكونها تستقبل كل عام ضيوف الرحمن وتسهر على أمنهم وتسهيل أدائهم لمناسكهم وندين لولاة أمرنا بالولاء والطاعة ونحن معهم أولنا مع أولهم وحاضرنا مع حاضرهم. و اضاف أن الثقافة والموروث وكذا اللهجة والملبس لدى قبائل الرشايدة في السودان هي نفس الثقافات والموروثات في السعودية و الرشايدة في السودان هم امتداد للرشايدة هنا وهاجروا في حقبة مضت كما تذكر كتب التاريخ .
الصحافة العالمية
تقول صحيفة نيويورك تايمز Newyork Times الخميس 5 مارس 1992م يوميات شعب . بقلم الكاتبة جين بيرليز :
'' قبيلة الرشايدة الرعوية الذين يطبقون تعاليم الإسلام بحزم والذين أبحروا عبر البحر الأحمر باتجاه إفريقيا من المملكة العربية السعودية قبل 200 عام تقريبا هناك حوالى 50000 فرد ينتمون إلى قبيلة الرشايدة في ارتيريا وقد بقيت قبيلة الرشايدة جزءاً من القبائل العربية البدوية التي لم يجرؤ عليها احد في إفريقيا مثلهم مثل أقربائهم قبائل الرشايدة البدوية الأخرى التي تقيم في المملكة العربية السعودية ظلوا يتشبثون بولائهم الإسلامي ويتمسكون بلغتهم العربية
وفي أطروحة للدكتوراه في علم الانثرو بولوجيا ( علم تطورالانسان ) تحت عنوان بدو الرشايدة The Rashaayda Bedoun للدكتور وليام يانج G. Young Dr.Williem الأستاذ المشارك بجامعة جيورجيا الجنوبية بولاية جيورجيا يقول :
'' الرشايدة يتحدثون لهجة مشتقة من العربية لها خصائص كثيرة حسب الشائع مع اللغة العربية المتحدث بها في الشمال الغربي من شبه جزيرة العرب ومثل هذه الميزات تتغاير بشكل واضح مع اللهجات السودانية ''وفي أطروحة للماجستير من مركز البحوث والدراسات الإفريقية في جامعة إفريقيا العالمية للأستاذ عبد الرحمن بدوي أبو البشر أحمد قال الباحث :'' بني رشيد شجرة أصلها في الحجاز وطالت أغصانها إلى جهات بعيدة إلى مصر وسوريا والسودان وتونس والمغرب وأنحاء الجزيرة العربية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ''
ويقول محققا الأبحاث في مجلس الأبحاث في العلوم الاجتماعية الأمريكي جورج اسبندلر ولويز سبندلر نحن سعداء لإدراج عرب الرشايدة ضمن سلسلة الكتب التي نصدرها ونطلب من القراء أن يولوها قراءة متأنية لما لها من قيمة متنوعة في شتى فنون الثقافة ودروب المعرفة الواسعة '' .
قبر عنترة وديار الرشايدة
تمتد ديار قبائل الرشايدة في المملكة العربية السعودية من جنوب منطقة حائل وحتى المدينة المنورة وعلى امتداد وادي الرمة بمنطقة القصيم وتحديداً كما قال الشاعر معيتق العويمري :
دار نعود عليهـا لـو نحتنـا السنيـنشمال ديرة رسول الله عليـه السـلام
من حد طيبة على الأبيض إليا الشعبتينومن الثمد يوم تشمل لين تصل الخطام
مع وادي الجول لجبال الرقب من يمينوماصك واد الرمة لقصى فياض النعام
من حد أبانات واللي دونهـن واقفيـنيوم المكايد ودخان الفشـق والسهـام
وعلى امتداد طريق حائل المدينة المنورة تقع قرى وديار بني رشيد ويزيد عددها على أربع مئة قرية وهجرة ومن اكبر هذه القرى الحليفة وروض بن هادي والحائط والشويمس والحويط وجبال العلم وقراها وفي ذروة جبال العلم يقبع قبر فارس عبس عنترة بن شداد كما أكد ذلك الأصمعي في سيرة عنترة الحجازية وتشتهر هذه القرى بأنواع مختلفة من التمور الجيدة في محافظة خيبر ومنطقة المدينة المنورة وجبال أبانات في القصيم ونال أبناء القبيلة حظاً وافراً من التعليم ومع هذا فلا زالوا يتحدثون بلهجتهم التي تميزهم عن غيرهم سواء كانت الجيم العدنانية المعطشة أو المفردات اللغوية التي لا تجدها إلا في قواميس اللغة العربية الفصحى كما يشاركهم بهذه الميزة الرشايدة في السودان كما أن الحضارة لم تغير بهم ما ورثوه عن أجدادهم من النخوة العربية وكرم الضيافة جعلت دعوتهم للضيوف لتناول القرى مسبوقة بأغلظ الأيمان للموافقة على تلبية الدعوة.