الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
أخي الحبيب: لو نظرنا بميزان الشرع إلى عبادات أكثر الناس اليوم لرأينا عجبا مما أحدثوه، وما ورثوه من المخالفات الكثيرة التي أصبحت بينهم كسنن مأثورة يتناقلونها جيلا بعد جيل، وفي مقابل هذا تركوا سننا ثم اعتبروها من قبيل البدع وذلك لغربتها بينهم. وحجتهم في ذلك أن جمهور الناس يعملون بها، ولا شك أن هذا ليس دليلا شرعيا يعتمد عليه في تقرير الأحكام الشرعية؟ فالسنة مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق؟ وفي هذه الرسالة السريعة نكشف عن بعض المخالفات الشائعة في الوضوء والطهارة حتى نحذرها ونحذر الناس منها.. والله الهادي إلى سواء الصراط.
1- الجهر بالنية عند الوضوء: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في أوله: نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة، لا هو ولا أحد من أصحابه ألبتة، ولم يرد عنه في ذلك حرف واحد، لا باسناد صحيح ولا ضعيف).
2- الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء: كقول بعضهم عند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني. وعند غسل وجهه: اللهم بيض وجهي... قال ابن القيم رحمه الله: (ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق، لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ولا علمه لأمته، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله: { أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدأ عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، في آخره }، فهذا ثابت).
3- الإسراف في ماء الوضوء: ففي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد. قال البخاري: (وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ). وقد أخبر صلى الله عليه وسلم خبرا يفيد النهي أنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء. [رواه أحمد وأبو داود].
والاعتداء في الطهور هو الزيادة على الثلاث وإسراف الماء.
صاع الماء في حدود 3 لتر وربع تقريباً والمد : ربع صاع
4- كثرة الوساوس الشيطانية: قال فضيلة الشيخ ابن جبرين: (كثيرا ما يوسوس الشيطان إلى بعض الناس بانتقاض الوضوء بريح أو بول، ولا يكون لذلك حقيقة، فعلى من ابتلي بشيء من ذلك أن يبني على اليقين وهو الطهارة، ولا يلتفت إلى تلك الأوهام، فإنه بذلك يسلم وتنقطع عنه سريعا، فإن اهتم بها طال غمه وكثرت وساوسه، وتكلف بتكرار الوضوء، وفاتته الجماعة أول الوقت حتى يمل العبادة ويستثقلها، وذلك ما يتمناه الشيطان الرجيم).
5- عدم إسباغ الوضوء وإكماله: عن خالد بن معدان، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم { أن رسول الله رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء } [أرواه أحمد وأبو داود].
وقد تساهل كثير من الناس في ذلك وهم بهذا يعرضون عبادتهم للفساد والبطلان كما هو واضح من الحديث.
6- استقبال القبلة عند البول أو الغائط: عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، ولكن شرقوا أو غربوا } [رواه البخاري ومسلم].
7- عدم التنزه من البول وعدم التوقي من رذاذه، والتساهل في عدم التحفظ منه: ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مر بحائط من حيطان المدينة فسمع صوت رجلين يعذبان في قبورهما، فقال صلى الله عليه وسلم : { بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة } [رواه البخاري ومسلم].
8- إدخال اليد في الإناء الذي يتوضأ منه قبل أن يغسلهما ثلاثا: ففي الحديث: { إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، وإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } [رواه البخاري ومسلم].
وقد أطلق العلماء الحكم فقالوا: وإن علم أين باتت يده فإنه يتعين عليه أن يغسلهما ثلاثا قبل إدخالهما في الإناء.
9- غسل الرقبة في الوضوء: والحديث الذي ورد في مسح الرقبة قال عنه النووي: 'حديث موضوع ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم '. وقال ابن القيم: 'ولم يصح عنه في مسح العنق حديث البتة'.
10- اعتقاد بعض الناس أنه لابد من غسل الفرج قبل كل وضوء ولو لم يحدث: وهذا خطأ شائع، والسنة خلاف ذلك.
11- أن بعض الناس يأخذه النوم فإذا أقيمت الصلاة وخاصة صلاة الفجر والجمعة قام وصلى مع المسلمين ولم يتوضأ: ولا شك أن النوم ينقض الوضوء، فعن صفوان بن عسال رضي الله عنه: { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبولي ونوم } [رواه النساثي والترمذي].
12- أن بعض الرجال إذا جامع أهله لا يغتسل ولا يأمر أهله بالغسل إلا إذا أنزلا: وهذا أمر تعم به البلوى وأخطأ فيه الكثير، والصواب أنه يجب عليه الغسل بمجرد الجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل } [متفق عليه]. وزاد مسلم: { وان لم ينزل }.
13- اعتقاد بعض الناس أن الوضوء لا يم إلا إذا كان ثلاثا ثلاثا: أي غسل كل عضو ثلاث مرات... وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين كما جاء في صحيح البخاري.
14- الزيادة في عدد غسل أعضاء الوضوء أو بعضها أكثر من ثلاث مرات: وهذا بلا شك بدعة، وعند مسلم: { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردا }.
ومن المخالفات التي تتعلق بالنساء في الطهارة:
15- أن بعض النساء لا يؤدين الصلاة التي طهرن في وقتها بل يبدأن بالصلاة القادمة: قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: 'أما إذا طهرت وكان باقيا من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلي ذلك الوقت الذي طهرت فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم : { من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر} [رواه البخاري ومسلم].
16- قد يأتي الحيض للمرأة بعد دخول وقت الصلاة بمدة، فإذا طهرت لم تقض تلك الصلاة التي وجبت عليها قبل العادة: قال الشيخ ابن عثيمين: 'إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد الزوال بنصف ساعة مثلا، فإنها بعد أن تتطهر من الحيض تقضي هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة؟ لقوله تعإلى: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا [النساء:103]'.
17- ما يفعله كثير من النسوة من تأخير الغسل من الجماع أومن الحيض إذا طهرت بالليل حتى تطلع الشمس ثم تغتسل فتقضي: وهذا حرام بالإجماع. والواجب عليها أن تبادر بالغسل وتصلي قبل طلوع الشمس إذ أن الصلاة لا يجوز إخراجها عن وقتها عمدا بالإجماع... وإذا علم الزوج وسكت عن إنكاره فهو شريكها في الاثم إن كانت عالمة بالتحريم، وإن كانت جاهلة فعليه إثم جهلها وإثم معصيتها.
18- وضوء بعض النساء وعلى أظفارهن ما يسمى بالمانكير: ولا شك أن هذا الطلاء يمنع وصول الماء منعا باتا إلى المحل مما يؤدي إلى بطلان الوضوء، ولهذا يجب إزالته قبل مباشرة الوضوء.
19- امتناع بعض النساء من الصلاة والصيام مدة أربعين يوما بعد النفاس حتى ولو طهرت قبل هذه المدة: وهذا فهم خاطئ، والصواب أنه لا حرج عليها أن تصوم أو تصلي أو تعتمر أو يطؤها زوجها إذا طهرت قبل ذلك.