عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً : يرضى لكم أن تعبدوه ، ولا تشركوه به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، - ويسخط لكم ثلاثاً – قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال » [ رواه مسلم [1] ومالك [2] وأحمد [3] ].)
راوي الحديث:
أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه فقيل: عبد الرحمن بن صخر ، وقيل: ابن غنم ، وقيل غير ذلك، وذهب الأكثرون إلى الأول مات سنة تسع وخمسين من الهجرة.
معاني المفردات:
الرضى والسخط: صفتان لله تليقان بجلاله لا تشبهان صفات المخلوقين.
العبـــادة: لغة الخضوع والذل مع المحبة وهي أمر جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فكل ما أمر الله به أمر إيجاب أو استحباب فهو عبادة وصرفه لغيره شرك.
الـشــرك: أن يتخذ لله نداً في شيء من العبادات بأن يصرف العبد نوعاً من أنواع العبادة لغير الله ، فكلُّ اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص وصرفه لغيره شرك.
الاعتصام بحبل الله: هو التمسك بما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاباً وسنة.
قيـل وقــال: الخوض في الباطل وفيما لا يعني.
كثـرة السـؤال: الإكثار من سؤال الناس وفرض ما لم يقع من المسائل والمشاكل.
إضاعــة المال: إهماله والتفريط فيه وتعريضه للضياع.
المعنى الإجمالي:
في هذا الحديث إشارات نبوية عظيمة:
فأولها: الحث على التوحيد الخالص والقيام بأعظم حقوق الله وأعظم واجبات الإسلام وهو إفراد الله وحده بالعبادة التي هي الغاية من خلق الجن والإنس. قال تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذريات:56].
والابتعاد عن الشرك في عبادته فلا يشرك العبد بالله أحداً من خلقه فيجعله نداً لله في دعاء ولا استغاثة ولا ذبح ولا نذر ولا رجاء ولا خوف ولا توكل لأن هذه الأمور حق خاص لله لا يرضى أن يشاركه فيها ملَك مقرب ولا نبي مرسل.
وثانيها: الاعتصام بحبل الله وهو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم من كتاب وسنة وما حوته تعاليم الرسول من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات ، فلا يسع مسلماً لا فرداً من أفراد المسلمين ولا طائفة من طوائف المسلمين ولا مجتمعاً من المجتمعات الإسلامية ولا حاكماً ولا محكوماً الخروج عن شيء من أصول الإسلام أو فروعه. بل يجب على الجميع الإيمان والالتزام الكامل بكل ما جاء به خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وتقديمه على كل قول وهدي.
والاحتكام إلى ما جاء به الرسول في كل شأن وتجريد الطاعة والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه و سلم في صغير أمور الدين وكبيرها ، ومجانبة كل بدعة ورأي ومعصية وبذلك لا بغيره يجتمع شمل المسلمين وتقوم وحدتهم المنشودة ويصدق عليهم جميعاً أنهم معتصمون بحبل الله وهذا الواقع هو الذي يريده الله وكلف به الأمة الإسلامية لا الوحدات السياسية مع اختلاف العقائد والمشارب والاتجاهات فإن هذا اللون من التجميع لو تم – وهو بعيد – ينطبق عليه قول الله تعالى : {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } (الحشر 14).
وثالثها مناصحة ولاة أمر المسلمين وذلك يتم بالتعاون معهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم ، والصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج عليه بالسيف إذا ظهر منهم حيف أو سوء العشرة والدعاء لهم بالصلاح وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم.
ورابعها: النهي عن قيل وقال ، وهو الخوض في الباطل وإشاعة الفواحش ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة وكفى بالمرءِ كذباً أن يحدث بكل ما سمع ، وكذلك الإغراق في فرض مسائل لم تقع والإجابات عنها قبل وقوعها فإن هذا يصرف المسلمين عن دراسة الكتاب والسنة ويشغلهم عن حفظ نصوصهما والتفقه فيهما.
وخامسها: النهي عن كثرة السؤال وهو يشمل سؤال الناس ما في أيديهم من المال وغيره وإنزال حاجته بهم ، وهذا لا يليق بالمسلم الذي يريد الله له أن يكون عزيزاً شريفاً ، فسؤال الناس محرم في الأصل ولا يجـوز إلا في حال الضرورة وفي سؤال المخلوق بلا ضرورةٍ ثلاث مفاسد:
(1) مفسدة الافتقار إلى غير الله وهي نوع من الشرك.
(2) ومفسدة إيذاء المخلوق المسؤول وهي نوع ظلم الخلق.
(3) ومفسدة الذل لغير الله وهو ظلم للنفس.
هذا إذا كان المسؤول حياً قادراً على تحقيق المطلوب منه فكيف بسؤال الميت والغائب ما لا يقدر عليه إلا الله ؟. إن ذلك هو عين الشرك بالله.
كما يشمل هذا النهي كثرة الأسئلة العلمية خصوصاً التي يقصد منها التعنت وإثارة النـزاع والجدال بالباطل وكذلك الإغراق في فرض المسائل التي لم تقع وطلب الإجابات عنها.
وسادسها: النهي عن إضاعة المال فإن المال نعمة من الله وفيه عون على طاعة الله والجهاد في سبيله وعلى مساعدة المستحقين من المسلمين الفقراء والأقارب وغيرهم، فيجب أن يشكر المسلم ربه على هذه النعمة ويحافظ عليها من الضياع والإهمال ولا ينفق منه إلا في الطرق التي شرعها الله أو أباحها وليس له أن ينفق منه في سبيل الشيطان والمعاصي كما ليس له أن يهمل هذه النعمة ويعرضها للضياع.
ما يستفاد من الحديث:
1- وجوب القيام بعبادة الله على الوجه المطلوب.
2- وجوب الابتعاد عن كل أصناف الشرك صغيره وكبيره.
3- وجوب الاعتصام بحبل الله وهو الإسلام الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه و سلم كتاباً وسنة في كل شأن.
4- تحريم التفرق ووجوب وحدة المسلمين على الحق.
5- وجوب مناصحة ولاة أمر المسلمين والتعاون معهم على الحق والبر.
6- تحريم القيل والقال.
7- تحريم سؤال المخلوقين إلا فيما يقدرون عليه في حال الضرورة والأفضل التوكل والصبر.
8- تحريم إضاعة المال.[*]
كتبه : الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي في16/04/1406هـ
-----------------
حواشي:[*]- انظر مذكرة الحديث النبوي في العقيدة و الاتباع ص33-37
(1) 3 -كتاب الأقضية : 5 – باب النهي عن كثرة المسائل. حديث (1715) ، (3/1340).
(2) الموطأ 56- كتاب الكلام ، 8 – باب ما جاء في إضاعة المال ، حديث (20) ، (2/990).
(3) (2/367).
نقلته من الجوار