وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إِلى جميع الناس ونسخ الملل بملته
1-حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
2-حديث أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (ثَلاَثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ).
الشرح:
في الحديث الأول دليل على أن الله عز وجل أيد رسله بالمعجزات الباهرة والبراهين الساطعة ليؤمن بهم الناس وكل نبي خصه الله بمعجزة كبرى تبهر العقول وتدل على صدق نبوته وصحة رسالته وقد يجتمع للنبي أكثر من معجزة والأنبياء قبل محمد معجزاتهم حسية يشاهدها من حضرها فنوح معجزته السفينة وإبراهيم معجزته نجاته من النار ويوسف معجزته تفسير الأحلام وسليمان معجزته تسخير الجن ومخاطبة الحيوان وداود معجزته القوة وصالح معجزته الناقة ويونس معجزته خروجه حيا من بطن الحوت وموسى معجزته العصا وعيسى معجزته إحياء الموتى واشفاء المرضى وقد شاركهم محمد بجنس المعجزات الحسية من انشقاق القمر والإسراء والمعراج بالبراق وحنين الجذع وسلام الحصا ونبع الماء من يده وغير ذلك ولكن الله ميز محمدا صلى الله عليه وسلم بمعجزة تفوق سائر المعجزات وهي القرآن العظيم لأنه كلام الحق لا يأتيه الباطل أبدا وهو معجز في ألفاظه ومعانيه وبيانه وأسراره وحكمه لا يخلق أبدا ولا يقوى أحد على معارضته ومحاكاته وهذه المعجزة مستمرة ليوم الدين لا تختص بزمانه كسائر معجزات الأنبياء وهذا يدل على فضل النبي محمد على سائر الأنبياء. وفي الحديث دليل على أن أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم أكثر أتباعا من سائر الأنبياء وهذا يدل أيضا على فضله عليهم. وفي الحديث الثاني ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يستحق أجرين لجمعهم سببين يوجبان ذلك وهذا من فضل الله عليهم وهم ثلاثة أصناف: الصنف الأول رجل من بني إسرائيل كان مؤمنا بنبيه واستمر على ذلك حتى بلغه نبوة نبينا محمد وأيقن أنه خاتم للرسل وشريعته ناسخة لشريعة نبيه فآثر الآخرة على أهله وماله وعشيرته ومسكنه فآمن بمحمد وتحمل في سبيل ذلك اللوم والمشقة والنصب فآتاه الله أجرا لإيمانه بنبيه وأجرا آخر لإيمانه بنبينا وبلغ منزلة عظيمة في الآخرة لأنه قدم اتباع الحق على هوى قومه أما من استمر على إيمانه بنبيه من أهل الكتاب وجحد نبوة محمد بعد أن بلغته ثم مات على ذلك فهو كافر بالله ومن أهل النار كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار). رواه مسلم. ودينه باطل لا يقبل منه لقوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). وهذا حال عامة الكتابيين زمن البعثة وبعدها وقليل منهم من اتبع الحق كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله عنهما. والصنف الثاني هو العبد المملوك الذي قام بحق الله بأداء فرائضه واجتناب نواهيه والاستقامة على شرعه وسلوك سبيل الطاعة وجمع مع ذلك القيام بحق سيده من طاعته ونصرته وحفظ أهله وماله وعدم خيانته وغدره في أمر من الأمور وقدم طاعة سيده على هواه ولم يلتفت لرغبات نفسه فآتاه الله أجرين لقيامه بحقه وحق سيده. والصنف الثالث رجل كان يملك أمة فرباها وأدبها على آداب الإسلام وعلمها القرآن ثم لما بلغت مبلغ النساء أعتقها وتزوجها إكراما لها فآتاه الله أجرين لإحسانه في تربيتها كما يحسن لابنته من صلبه وإحسانه في زواجه منها كما يحسن للحرائر فهذا الرجل لم يتسلط على أمته ويهينها ويعاملها كالحيوان كعادة الأسياد غالبا بل اتقى الله في ملكه وأحسن غاية الإحسان وهذا ناشئ عن كمال الإيمان وخشية الرحمن والتواضع وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل الإماء والعبيد. فالصنف الأول تمثل فيه صفة اتباع الحق والصنف الثاني تمثل فيه صفة الأمانة والصنف الثالث تمثل فيه الإحسان إلى الغير. وقد ورد في السنة أصناف أخرى ممن يؤتون أجورهم مرتين أزواج النبي القانتات وقارئ القرآن الذي عليه شاق والحاكم المجتهد المصيب للحق والمتصدق على قريبه ومن سن سنة حسنة والعامل في زمن الفساد وغيرهم وجملة من الأحاديث تروى في هذا الباب بأسانيد فيها مقال عند أهل الحديث. وفي الحديث دليل على أن الأجر يتعدد ويتضاعف على حسب تعدد الأسباب الموجبة لذلك. وفيه دليل على عظم فضل الله وكثرة جوده وإحسانه بعباده وأن الله يجزل العطاء ويزيد الثواب لمن قام فيه أصناف من الخير وأبواب من العبادات. وما ورد في الحديثين يدل على وجوب الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأن الله أوجب ذلك على جميع الخلق بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ولأن الله نسخ جميع الملل والشرائع بملته وشريعته وقد تواتر هذا المعنى في الكتاب والسنة قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي لأرض طهورا ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون). رواه مسلم.