قلت : لقد قمتُ بزيارة لهذه الهضبة عام 1422هـ ، فرأيتُها مستديرة على نفسها ، فوق مستند من الأرض ، أشبه ما تكون وهذا المستند بوكر طير الصقّار ، تشاهد بالعين المجردة في الجنوب الغربي من قرية طلال ، وإلى الجنوب منها ايضاً يشاهد جبل المضيّح المشهور . وكونها هضبة لا قرية والمسافة منها إلى جبل ( كنات ) تكاد تكون هي نفس المسافة بين تيماء التي قبلها وهذا المكان الأخير ، وعليه فلا من قرينة ترجّح أن تيماء هذه هي التي قصدها الشاعر.
3- تيماء : هضبة حمراء عالية الشناخيب ، ومتسعة الأرجاء ، تقع شرقاً من جبل ثهلان ، وجنوباً من بلدة الشعراء(7). وقد أكثر الشعراء الشعبيون من ذكرها ، قال أحدهم :
يا الله من قلب من الهجر يا سيف
كنّه يمسّس بين الأظلاع بحبال
ياونّتي ودموع عيني ذواريف
مثل الجلادا يوم ينسف على الجال
عديت تيما علها رايح الصيف
من كلّ مرتدمٍ من المزن هطّال
وهي كالتي قبلها ذكرت في المعاجم الجغرافية القديمة باسم ( تيمن ) ، قال أبو عليّ الهجريّ : سألتُ الباهليَّ عن تيمن ، فقال : هضبة برأس الذرو ، ذرو الشريف مغرب الشمس من حصن ابن عصام بيوم ، وسيل تيمن يصبُّ على الكلاب (8) .. الخ .
قلتُ : الشريف : بلد واسع يشمل الأرض الممتدة ما بين وادي السرّ ووادي الرشاء وهو في بحبوحة بلاد بني نمير من بني عامر بن صعصعة قديماً . وقال الهجريُّ : أنشدني النُميرِيُّ لجحيفة في ابنتها ، وزوجتها في بني نمير ، فلّما استهداها زوجها شاقها ذهابة فقالت :
صَحَا اْلقَلْبُ إلاّ عن ظَعَاينَ فاتني
بِهِنِّ نُمَيْرِيُّ لـ ( تيمن ) قَارِبُ
عليهنّ من حَوْكِ العِرَاقِ مَزِيّةٌ
وفيهِنَّ غِزْلانُ الصَّرِيْمِ الرّبايبُ
إذا قلتُ قد أرْتَعْنََ أنزلنَ حَادياً
قَضَى وطراً مِنْ خَلْفِهِ فَهْوَ هاربُ
فَعَهدِي بهم والآل يَزْهَى حُمُولَهُمْ
وقد كَلَّ طَرْفُ العَينِ عما أُراقبُ
وقد جعلوا ( دمخاً )(9) شمالاً وجاوزوا
( بتيلاً )(10) وحاديهم على السّيرِ وَاظبُ
تَكشَّفَ أحشاءُ الفُوادِ بَينهم
تَكَشُّفَ وَحْشِيَّ به الحَبلُ ناشِبُ
إذا مَا ضَمِيرُ القَلبِ مَنَّاكِ قُرْبَها
فقُولي لَهُ يا قَلْبِ إنّكَ كَاذِبُ
وَكَيفَ التّلاقي لا ضَمِيرُ يَضمُّنَا
ولا مَحْضَرٌ في الصَّيْفِ مِنَها تُقَارِبُ
وتيماء هذه أبعد مسافة من سابقتيها عن جبل ( وكانت ) ، وعليه فاستبعادها عما عنى الشاعر أولي .
4- تيماء في شعر امرئ القيس :
أصاح ترى بَرْقاً أُريك وَميضه
كلمع اليدين في حَبيٍّ مكَلَّل
قعدتُ له وصحبتي بين ضارجٍ
وبين العُذَيب بعدما متأمّل
على ( قطنا ) بالشَّيم أيمنُ صوبه
وأيسره على السِّتَار فَيذْبُل
فأضحى يَسُحُّ الماء حول كُتَيفةٍ
يَكُبُّ على الأذقان دوح الكنهبل
كأن أبانا في عرانين وبله
كبير أُناس في بجاد مُزَمَّلٍ
وتيماء لم يتحرك بها جذع نخلةٍ
ولا أُطُماً إلا مشيداً بجندل
كأن ذرى رأس المجيمر غُدْوة
من السيلِ والأغثاء فَلكَة مُغْزل
كأن مكاكيَّ الجُواء غُدُيَّةً
صُبِحْنَ سلافاً من رحيق مفلفل
فامرؤ القيس هنا يصف سحاباً ينهمر ودقه على أماكن في منطقة القصيم بعضها لا يزال معروفاً مثل : قطن ، أبان ، كتيفه ، الجواء ، وبعضها الآخر تغيّر اسمه مثل : المجيمر ( المصيقر حالياً )(11) ، ومنها لا يزال مجهولاً
مثل : ( تيماء ) ، وهي مدار البحث ، فهو لم يذكرها كبلدة في هذه الجهة فحسب ، بل فوق هذا وصف انهيار عمرانها من أثر ذلك المطر وصفاً بليغاً ، مع التفاتة أدبية ممتعة عن حال الانتشاء التي قد انتابت مكاكيَّ الجواء ( طيور أم سالم ) في صباح ذلك
المطر ، وهي تزجي من الفرح والانشراح أجمل الأصوات لحناً وأعذبها طرباً ، بعد أن تحول منظرها وهي تلعب في الجو – علوّاً ونزولاً – كأنها سكرى.
وما جاء من ذكرٍ لها في شعر امرئ القيس في هذه الناحية. يؤكده نص فارد ونفيس للهمداني إذ قال : تيماء منزل كثير النخل عادل عن محجة العراق ، وهي غير تيماء السموأل. (12)
وقد علّق الشيخ محمد بن ناصر العبوديّ على هذا النص الواضح وقال : أقول : يريد بمحجة العراق طريق الكوفي الذي يمرُّ بسميراء والحاجر ثم النقرة أي تلك المنطقة بالذات وإلى جانب نص الهمداني هذا على أن تيماء ليست تيماء السموأل فإن وجود تيماء أخرى في تلك المنطقة كان قد تقرر في أذهان بعض سكانها ممن ليس لهم إطلاع على التاريخ