كم هلال يكتمل؟
محمد المسحل
المراقب المنصف والحيادي، الذي يراقب مستوى فريق كرة القدم الهلالي الأوّل في الموسمين الماضيين، والموسم الحالي (خصوصاً مباراة الهلال أمام الغرّافة ليلة أول من أمس)، يستطيع وبكل سهولة أن يجزم، بأن السعوديّة الآن، بدأت تشهد تكامل أوّل فريق كروي نموذجي (بمعنى الكلمة) في عصر الاحتراف السعودي، الذي في رأيي لم يكتمل حتّى الآن.
نادي الهلال تقوده إدارة تنظر للمهنيّة والحرفيّة على أنّها فن، أكثر منه عمل، وتنظر للمستقبل على أنّه إنجاز، أكثر منه بطولة أو لقب، إدارة أبدعت بتوزيع الأدوار بين من يدرك معنى التعامل مع الجماهير، ومن يدرك معنى التعامل مع لاعبين محترفين، ومن يدرك معنى التعامل مع لاعبين ناشئين، بل ومن يدرك كيف يتعامل مع العملة الصعبة المسمّاة «أعضاء الشرف الداعمين».
قلّما، بل ونكاد لا نسمع البتّة، عن أي مشكلات داخل البيت الهلالي في الآونة الأخيرة، وبل وحتّى لو حدث أمر ما، لا يتسرّب لوسائل الإعلام مثل أغلب الأندية، ولو تسرّب، تجد هناك من يعاجل بعلاج الأمر على مستوى ما خلف الكواليس، وعلى مستوى الإعلام، وبطريقة لا تقل احترافية عن بقية ما ذكرته أعلاه.
لست من مدّاحي الهلال، ولكن طالما أنه فتح أُفقاً جديداً في الاحترافيّة الرياضيّة قبل كل الأندية السعوديّة، فهو يستحق من يثني عليه، ويصفّق له، ويقف له احترماً، ككيان رياضي، يكاد أن يكتمل، وسط بيئة رياضيّة احترافيّة غير مكتملة أصلاً. وهذا بحد ذاته إنجاز كبير في نظر كل من يفهم في الاستثمار والنشاط الرياضي الاحترافي بشكل عام، وبمن يفهم بكرة القدم وشؤونها بشكل خاص.
أدرك تماماً أنّ الدعم المالي الضخم الّذي يتلقّاه الهلاليون من أعضاء شرفهم، قد يكون أقوى دعم شرفي في الوطن العربي! ولو قارنّا الدعم الشرفي لنادي الهلال من منظور «الاحتراف» ببقية أندية العالم الّتي تخوض دوريات محترفة، فسيكون نادي الهلال الأوّل على مستوى العالم من ناحية الدعم الشرفي! لأنّ بقية أندية العالم المحترفة، لا تعرف شيئاً اسمه «دعم شرفي»، ولكن تعرف شيئاً اسمه دخل النادي من الداعم الرسمي، ومن مبيعات الاعلانات، ومن صفقات بيع اللاعبين، ومن دخل الجماهير وبيع شعارات وقمصان النادي. فالعصر الّذي كان فيه أناس يدفعون للنادي أنّهم «يحبّونه ويشجّعونه»، انتهى الى غير رجعة، فيما عدا الحال في أنديتنا وأندية بعض دول الخليج الأخرى.
ولكن، لو نظرنا لمنظومة العمل الإدارية المحنّكة والمنظّمة الّتي تسيّر نادي الهلال، في رأيي هي بحد ذاتها نموذج يستطيع أي نادٍ آخر أن يقتدي به، ليكون في حال أفضل على الأقل، حتّى لو كان دعمه محدوداً! فقلّة الدعم، يجب ألاّ تجعلك غير منظّم في القرارات والمواعيد، وغير منضبط مع اللوائح والقوانين، بل إنّ قلّة الدعم، يجب أن تجعلك تفكر بوسائل أكثر ذكاءً ومرونة لجذب الأعضاء الذين توقّفوا عن دعم النادي، أو على الأقل استحداث آلية جديدة لجلبهم أو جلب غيرهم من الداعمين.
هنيئاً للهلاليين وجود هذه العقليّة الإداريّة الفذّة، التي أظن أنّها اقتربت كثيراً لنيل بطولة قارّية، بل وللتأهل لبطولة أخرى عالميّة، ويستطيع كل من لم يعجبه كلامي أعلاه، أن ينظر للواقع، بل ولينظر لمستوى الفرقة الهلاليّة التي «أكلت الغرّافة القطري أكلاً» أوّل من أمس، وهذا لم يأتِ من فراغ، فالغرّافة فريق كبير، ولكن الهلال كان بدراً، وليت جميع الأندية السعوديّة أهلّة تكتمل، فيا تُرى: كم هلال يكتمل؟