«عكاظ» تعيش يوما مع رئيس سابق أزاحه الربيع العربي 2/3
علاج طبيعي لأصابعه وزراعة وكواليس مع رفاق التفجير
ما أشبه الليلة بالبارحة .. مثل لا يتطابق إطلاقا مع تجربتي التي خضتها في منزل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، بالحي السياسي في شارع حدة بوسط العاصمة صنعاء.. تكاد اللحظات تتشابه، بين الماضي والحاضر، وكالأفلام، يتكرر الشريط يحمل كل التفاصيل الدقيقة.
كان اللقاء الأول حين دخلت إلى معسكر قيادة العرضي «مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة» في شهر مايو 1102، لإجراء حوار مع فخامة الرئيس «آنذاك» علي صالح في ذروة الثورة اليمنية. واليوم بعد مرور حوالي العام يتكرر المشهد مع صالح الذي أصبح الرئيس السابق.. وتحول اسمه من «فخامة الرئيس».. المواطن صالح. ربما هو قدري كصحفي أن أعيد ذات التجربة معه، أو ربما هي طبيعة اليمن.. الذي تتشابه مشاكله، وتكرر مشاهده نفسها في كل مرة. سألت نفسي: النظام تغير.. فهل تغير اليمن؟
ها أنا مرة أخرى في حضرة الزعيم كما يطلق عليه الآن، أدلف إلى منزله، وتتكرر مشاهد اليمن في مخيلتي، بين الماضي المضطرب والحاضر غير الواضح والمستقبل الواعد.
ومن المؤكد أن لقائي الأول بالرئيس السابق صالح، نهاية عام 2012، اختلف جذريا عن زيارتي معه هذه المرة، بمنزله. شعرت بالفرق الشاسع في المكان والزمان والظروف والمعطيات الجديدة على الأرض. كل شيء تغير في اليمن، وبات هناك رئيس حكم 33 عاما، يسمى بالرئيس السابق.
تغير الوضع في اليمن، وأصبح مسمى فخامة الرئيس صالح من الماضي.. الثورة غيرت الموازين في اليمن رأسا على عقب.. وألغت الألقاب.. وتسليم السلطة غير مواقع الكراسي.. فالسلطة أصبحت معارضة.. والمعارضة أصبحت في السلطة.. ولا أعلم ماذا يخبئ المستقبل للسياسيين في اليمن.
الحرس يحاصر المنزل
إذا كان الوضع في اليمن تغير، فإن رجال الزعيم لم يتغيروا.. إذ كان الأخ أحمد الصوفي، السكرتير الإعلامي لصالح، المستقبل لي عند مدخل المنزل، «هو نفس الشخص الذي استقبلني في قصر الرئاسة العام الماضي»، الذي تحول لثكنة عسكرية، حيث توزعت قوات الحرس الجمهوري وحاصرته من جهاته الأربع، بالإضافة لرجال القبائل من بكيل، الذين أخذوا أماكنهم في كل موضع.
بعد الانتهاء من الإجراءات الأمنية المشددة دخلنا باحة المنزل، وشاهدت من بعد، أربعة أشخاص جالسين على كراس يتجاذبون أطراف الحديث مع بعضهم البعض، إلى جانب إحدى الحدائق المتناثرة في باحة المنزل.
في فناء المنزل
بصراحة لم أكن أتوقع إطلاقا أن يكون الرئيس السابق صالح أحدهم. دفعني فضولي الصحافي لتوجيه السؤال المتحفز والمتسرع للأخ الصوفي.. وقلت: هل الذي أمامنا هو الرئيس السابق. أجاب: نعم هو «الأخ الزعيم» علي عبدالله صالح.
اتجهت مباشرة ناحية صالح الذي فرغ لتوه من أداء صلاة الجمعة، مرتديا الزي التقليدي واضعا الجنبية التقليدية، استقبلنا بحرارة وحفاوة وتبادلت معه السلام والتحية.
قال لي: «هذه المرة بالزي اليمني أخ فهيم». قلت له: نعم .. قال لي «بهذا الزي أنت يمني بحت».. الزعيم بدا لي منهكا بعض الشيء أو على الأقل مقارنة بوضعه حين لقائي به عام 2010 فإنه بدا متعبا وأقل حيوية ونشاطا.
سألت الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن صحته أولا.. وأجابني على الفور «في أتم الصحة والعافية.. وكما تراني والحمدلله».
بجوار صالح، جلس رئيس مجلس النواب يحيى الراعي، الذي تعرض لإصابات بالغة في حادثة تفجير دار الرئاسة، والقيادي في حزب المؤتمر عارف الزوكا. ووقوفا كان عدد من حراس الأمن في الخلف. الأجواء في منزل الزعيم كانت هادئة.. لا حرس.. ولا بروتوكول.. في الداخل ما عدا أصوات العصافير في منزله الذي يملكه منذ الثمانينات، ويبدو أنه اختاره للسكن بعناية لموقعه الأمني في الحي السياسي.
اسئأذنت الرئيس السابق لالتقاط الصور.. ووجه رجال الأمن بالسماح بإدخال الكاميرا. سألني .. متى آخر مرة زرت اليمن؟ قلت له: قبل سبعة أشهر، حيث شهدت معركة تحرير مدينة لودر من تنظيم القاعدة. وبدلا من أن أستمع له وأطرح ما في جعبتي، شعرت أن الزعيم يستمع إلي باهتمام كبير، خاصة عن تجربتي في جبل يسوف بمدينة لودر، الذي قلت له إنه كان ينام يمنيا ويصحو قاعديا، إبان الحرب التي شنها الجيش اليمني ضد تنظيم القاعدة.
سألني باهتمام عن تجربتي الإعلامية في المناطق والبؤر الساخنة.. واستمع بعناية عن تجربتي خلال تغطيتي الصحافية للحرب الأمريكية ضد طالبان، وتحديدا عن معركة تورا بورا في أفغانستان، حيث تمكنت قيادات القاعدة في ذلك الوقت من مغادرة جبال تورا بورا دون إصابات.
ذاكرة حاضرة
قد يكون جسد صالح أصيب، لكن ذاكرته كانت حاضرة عندما تحدث عن لقائي به في مايو 2010، وبدا هادئا ومتماسكا. لاحظت خلال اللقاء أن يديه ما زالتا مربوطتين بضماد قوي جدا، إلا أنه كان يحرك أصابعه بسهولة، حتى أنه تحدث عنها وحركها أمامي، عندما قال إنه يمارس العلاج الطبيعي لأصابعه يوميا.
إصابة اليدين
يبدو أن إصابة اليدين في تفجير مسجد دار الرئاسة كانت قوية ومؤثرة للغاية، وكانت واضحة، أيضا في منطقة الذقن «أسفل الفم» آثار عملية جراحية تجميلية أجريت حولها، حيث بدت خيوط القطن من شماغه الذي كان يرتديه لغرض الحماية من الشمس تعلق بمنطقة الذقن وسرعان ما كان رجال الأمن يزيلونها بأيديهم.
قلت له: هل تمارسون الرياضة والزراعة؟ قال لي: نعم.. أنظر للحدائق التي حولك قمت بزراعة العديد من النباتات الجديدة. وأشار بيده للأشجار الكثيفة التي أحاطت بكامل فناء المنزل.
الزراعة والتشجير
ثم اصطحبني بجولة في فناء منزله لإطلاعي على الحديقة، وأراني شجرة الطنب التي زرعها بيده، والتي تتحول مع مرور الوقت إلى شجرة وارفة لحماية شجرة البن، بحسب ما أوضحه الرئيس السابق صالح، الذي كان يداعب الأشجار بيديه وكأنها طفلة صغيرة.
شرح لنا أهمية هذه الأشجار ومكانتها التي احتلتها في قلبه وأخذت حيزا من همومه السياسية.
سألني: كيف ترى الوضع في اليمن؟
قلت له: مقارنة بما رأيته خلال السنتين الماضيتين الوضع في تحسن شديد.
قال لي بهدوء «العبرة بالخواتيم».
علي عبدالله صالح، وبحسب مقربين منه، ما زال بحاجة إلى عمليتين جراحيتين في أسرع وقت، لكنه يرفض أن تتم في أية دولة غير المملكة التي يرى أنها مصدر ثقة له وأنقذت حياته من موت محقق، بعد فضل الله، نظرا للخبرات والقدرات الطبية التي تمتلكها المستشفيات السعودية. الزعيم تحدث أيضا عن شجرة «الايكا دنيا» التي تحتل مساحة كبيرة في حديقته قائلا «أنظر هذه الفاكهة مليئة بالسكريات». قلت له «لدينا في المملكة مثلها لكنها تأتي مستوردة».
شعرت أن صالح كان يتحدث بتلقائية، وعادت ذاكرتي للوراء عندما قال لي في آخر حوار أجريته معه في ذروة الثورة.. «هم يريدون الثورة.. فلتكن كذلك.. سنأتي مرة أخرى للحكم عبر صناديق الاقتراع»..
وبينما نحن ننهي جولتنا عائدين إلى حيث أتينا، شاهدت سيارة كبيرة على زاوية المنزل لفتت انتباهي، فيما بادر الرئيس السابق ببداهة إلى إرضاء تساؤلي قبل أن أسأل وقال لي «إن هذا الكارفان هدية من سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز، عندما غادرت في عام 2003 للمملكة برا مع عدد من القيادات السياسية والعلماء والشخصيات الاجتماعية. وتوجد بداخلها غرفة نوم ومطبخ».
وتم إيقاف هذا الكارفان في فناء منزله الأخضر وشوهد عدد من مرافقيه يعدون المشروبات والعصائر بداخلها ليقدموها للضيوف والزائرين.
طاولة خشبية للاجتماعات
وعلى الطرف الآخر تم وضع طاولة خشبية عليها ستة كراس، قال الزعيم مشيرا بيده «هنا نجتمع ونلتقي يوميا مع قيادات الحزب والمواطنين».
طوال الجولة داخل منزل صالح كان يرافقه قائد حراسته الخاصة المقال طارق محمد عبدالله صالح وحارسه الشخصي الذي أصيب وإلى جانبه عصام دويد الذي أراني صورته المحفوظة في الجوال بعد حادثة التفجير التي لا أستطيع وصفها من كثرة الجروح.
ودعنا صالح بنفسه على البوابة لنخرج بصحبة رئيس مجلس النواب يحيى الراعي والقيادي عارف الزوكا ومستشاره الإعلامي أحمد الصوفي والمقدم طارق محمد عبدالله صالح والذين يعتبرون أصدقاء ورفاق تفجير دار الرئاسة.
وبقي صالح وحده يداعب الأشجار ويمارس الرياضة مع مدربه اللبناني لمدة «3» ساعات ويتابع الأخبار ويقرأ الكتب، لنعود أدراجنا إلى الفندق الذي ننزل فيه لكي نتهيأ لرحلة الغد، حيث قرر استضافتنا في مسقط رأسه «قرية الأحمر بمديرية سنحان بمرافقة شقيقه اللواء علي صالح».
غادرت المنزل وبقي السؤال مفتوحا في مخيلتي هل سيتخلى صالح الذي لا يزال يثير جدلا واسعا في الساحة السياسية اليمنية عن العمل السياسي؟ هل يترك منصب رئيس المؤتمر الشعبي راضخا للضغوط؟ وهل تسحب منه الحصانة؟ هل يبدأ مشواره كمواطن يمني ليمارس هواياته الجديدة في الرياضة والزراعة. أم أنه يحضر لمفاجآت قادمة؟.. تركت الحي السياسي وأنا أفكر في صالح.. بعد أن مسحت جولة الحديقة من مخيلتي.. ذاكرة فخامة الرئيس صالح.
صالح .. بين حاجة الجسد .. وشغف الحوار
أحمد الشميري (صنعاء)
وسط حراسة أمنية مشددة وقوات مدججة بأسلحة ثقيلة ومتوسطة خارج منزله الذي يقع في أحد أرقى الأحياء بالعاصمة اليمنية صنعاء، يتابع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عن كثب التحضيرات اليومية لعقد جلسات الحوار الوطني الذي يأمل إن لم يستطع أن يشارك فيه شخصيا أن يتابع مداولاته عن قرب على أقل تقدير وذلك رغم أنه في حاجة لاستكمال العلاج الطبي في الخارج.
وبين الحاجة الماسة للعلاج والرغبة الجامحة للمشاركة في الحوار الوطني، يعيش صالح بقلبين وفكرين الأول يتطلع إلى المشاركة في الحوار الذي طالما اعتبره مسألة مهمة، وبين ضرورات العلاج التي لا بد منها.
صالح الرجل الذي حكم اليمن لـ 33 عاما، بات الآن محاصرا بين جدران منزله وحراساته الخاصة التي قطعت شارعا بكامله وشكلت الحواجز الأسمنتية للمنازل المقابلة لمنزله عائقا لوصول المواد والمأكولات إليها بشكل طبيعي دون تفتيش.
لم يكن اللواء الأول من الحرس الخاص المنحل هو المكلف بحراسته بكل معداته وآلياتها العسكرية، بل إن هناك عسكريين مدنيين يقفون إلى جانبهم ويشكلون الحراسة الرئيسية، فهي صاحبة القرار في السماح للزائرين بالدخول إلى الشارع الذي تقطعه الحواجز أمام منزل صالح، حيث التفتيش الدقيق بالأجهزة إلى جانب الكاميرات وأجهزة المراقبة المنتشرة على طول سور المنزل والشوارع القريبة منه. صالح المواطن والرئيس يظل يعيش حياته كرئيس ويتعامل مع زائريه كرئيس وليس مواطنا كما هو يتحدث.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0129568280.htm