“Excuse me sir, can I have one French fries, one iced strawberry juice and a bottle of water please!”
ليتبعه مباشرةً طفلٌ آخر يملي طلباته :
“يا محمد .. عطنا واحد همبرجر و واحد بطاط و واحد ببسي ، هاه !!”
كنت أقف خلفهما منتظراً دوري ، بل كنتشاهداً على صراع الحضارات الثقافي أعلاه ، الحضارة الغربية والحضارةالشرقية .. صراعٌ في مخيلتي فجره طفلان لم يبلغا العاشرة من العمر ، و دونحتى أن يشعرا بذلك ..
طرقت برهة من الزمن .. و في رأسي عشراتالأسئلة ، لم أكن أبحث عن إجاباتٍ لها بقدر ما كنت أحاول ترتيب عشوائيتها، أسئلةٌ يصب بعضها في التربية و بعضها في الدين ، و الآخر في الآداب .
تضمنت كلمات الطفل الغربي عباراتٍ مثل : عفواً .. سيدي .. لو سمحت ..
في حين لم يكن من الطفل “ابن البلد” إلا أنبدأ حديثه بِـ “يا محمد” ، قالها كأسلوب نداءٍ رسمي و معتبر ، و أتبع ذلكبأوامر عدةٍ كما لو كان العامل مملوكاً له .
لا زلت أجهل السر وراء استخدام كلمة “محمد” كأسمٍ لكل من هو غير معلومٍ لدينا من العمالة الأجنبية ، مع أنالله سبحانه و تعالى فضل نبيه “محمداً” - صلى الله عليه وآله وسلم - علىالعالمين ، ولا أظن أن امتهان اسمه بهذا الشكل أمرٌ مقبول ، بل لماذا لايَعتَبِر كل واحدٍ فينا أن العامل يحمل نفس اسمه هو ، ألن يعتبر ذلكانتقاصاً لذاته ؟؟
ربما من الأجدى لنا إضافة تلك الطريقة فيالنداء إلى اللغة العربية ، و نخصص استخدامها للمنادى النكرة بالنسبة لنا .. ليس تقليلاً من شأن العامل الأجنبي لا سمح الله ، إنما من باب أنهاالطريقة المثلى المزعومة لمناداة أي عامل لا نعرف اسمه ، و من دون الأخذبعين الاعتبار أصله أو ديانته ..
أسلوب الطفل “ابن البلد” المتسمبالفظاظةِ ، و التي كانت تكفي لزخرفة العبارة أعلاه بعناصر من الرقوالعبودية ، فيه من التهجم و التهديد ما يكفي لعقف حاجبي العامل و غضبه منالطفل ، فلم يكن محتوياً حتى على أقل كلمات الطلب شأناً مثل “ممكن” ، والأدهى من ذلك أن ينهي عبارته بـ “هاه” و التي لم أجد ما يعادلها في اللغةالعربية أو حتى في آداب التحدث مع الناس .
شيءٌ يدعو إلى التأمل حقاً ، أن يكونالطفل الغربي أكثر تأدباً من الطفل الشرقي ، و أن يكون أكثر تمسكاً بتلكالآداب حين الحديث مع الأغراب بغض النظر عن وظائفهم .. و أن يكون الطفلالشرقي مثالاً لنقيض ذلك ..
شيءٌ يبعث على الخجل ، أن يكون لديناالقرآن الكريم و سنة نبيه المصطفى - عليه وعلى آله أفضل الصلاة و التسليم - و لا نتذكر قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(*)، أن يُبعثَ الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ليتمم مكارم الأخلاق ، ونحن نستمر في الإعراض عن كل ذلك .
قبل سنواتٍ قليلة فقط ، قامت قائمتنا ولمتقعد عندما أساء الغرب لنبينا الكريم ، ولم نحرك ساكنين أمام كلالابتذالات التي تحصل بشكل يومي منا و من غيرنا ، و أعلنا مقاطعة منتجاتهمو لم نفكر في إصلاح نتاجنا الشخصي و الفكري قبل ذلك ، أحرقنا أعلامهم و لمنعتقد بوجوب التخلص من جهلنا أولاً .
وصل دوري بينما كنت غارقاً في خضم كل تلك التساؤلات ، فلمحت الطفل الغربي يأخذ طلبه و يقول :
“Thank you”
وقبل أن أبدأ التفوه بطلبي سمعت الطفل “ابن البلد” يقول :
“وين الكتشب ياخي .. شفيك انت!!”
ارتسمت على شفتي ابتسامة ، ربما لأن لدي طفلاً أبسط حقوقه علي هو زرع مكارم الأخلاق فيه ..